ألفت الاستفهام وإن كان المراد بها التوبيخ والتقريع، يطلب الفعل وهو رجوت. فيقول: أرجوت مني بعد اشتعال الشيب في رأسي اتباعي لك، وقبولي منك، وبعد أن ألف الناس مني طريقة أجرى عليها وقد أقبلت بنو غيلان شرعاً نحوي اثنين اثنين، وواحداً واحداً، من طرق مختلفة، ووجوه مفترقة، وقد علقوا آمالهم بي، يكون مني نبؤ عنهم، واعتلال عليهم، وزوال عن السنة المعروفة فيهم ومعهم، إلى غيرها. وقوله سقاطي، يقال لمن لم يأت مأتى الكرام: هو يساقط. قال الشاعر:
كيف يرجون سقاطي بعد ما ... جلل الرأس مشيب وصلع
والمعنى: كيف أملت مساقطتي عند هذا الدأب مع اجتماع هذه الأحوال، ومع تجربتي وكمالي، اذهبي عني بائنة مني وارحلي غداً. وقوله وراءك ظرف في الأصل، وقد جعله اسماً للفعل. والمراد: ابعدي عني. وعطف عليه وارحلي وهو فعل، وهذا يبين قوة الظروف إذا جعلت أسماء للأفعال، لأنه لولا ثباتها في النيابة عن الأفعال والاستغناء بها عنها، لما جاز عطف الفعل عليها؛ وذلك أن المعطوف والمعطوف عليه في حكم المثنى، والتثنية لا تحسن إلا بين متوافقين، فكذلك العطف. ومثنى وموحد مما عدل في النكرة، فلا ينصرف في المعرفة والنكرة جميعاً، لكونه معدولاً عن أسماء الأعداد وعن الإفراد إلى التكرير. وطالقاً انتصب على الحال من قوله وراءك عني، ولم يقل طائقة لأنه أخرجه مخرج النسب.
وقال آخر:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... فياض ما ملكت كفاي من مال