وبمثل هذا القول في لم نرمي، ولم يخشى، إذا وقعت في القافية، فيصير الألف كألف " الجرعا "، والياء كياء " الأيامي ". وعلى هذا القول في:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
الياء فيه للاطلاق، فأما من قال:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
وولا ترضاها ولا تملق
ومن هجو زبان لم يهجو ولم يدع
فالياء والواو والألف لاماتٌ بقيت في موضع الجزم، لأن المحذوف للجزم عنده من هذه الأفعال وأشباهها حركاتٌ كانت في النية اتثقل اللفظ بها في موضع الرفع مع حروف المد، ثم حذفت حروف المد ليكون الفعل مجزوماً أنقص لفظاً منه وهو غير مجزوم، فعند الضرورة أثبتها ولم يكن مخطئاً، إذ لم يكن سقوطها إعراباً، ويكون الياء على هذا القول في قوله " ألا انجلي " لام الفعل أيضاً.
وقوله " عذابٌ على الأفواه ما لم يذقهم " ما في موضع الظرف. أراد أن طعمهم حلوٌ إلا على أفواه العداة، لأن أخلاقهم تشمس عند الأعداء فيخشن جانبهم لهم، ويمر مذاقهم على أفواههم إذا ذاقوهم. وقد جمع بين الطعم والذكر، لذلك اعاد ذكر الأفواه فقال: وبالأفواه، كانه قصد في الأول الإنباء عن كرم طبعهم ولين أخلاقهم عند التجربة، وفي الثاني أنه يستحلى ذكرهم فيطيب في المسمعة، لشمول إحسانهم، وكثرة محاسنهم، فتقوم الشهادات بفضلهم في الحالتين.