أخذ يستشهد بربه، ويتنصل من هربه، بأنه لم يأته إلا بعد غلبة اليأس من نفسه عليه إن ثبت، وإلا بعد أن ضرج بالدم الشامل له ولفرسه. ومثله قول مهلهل:
لم أرم حومة الكتيبة حتى ... حذي الورد من دميٍ نعالا
وهذا قاصرٌ عن درجة ما تقدم، لأنه يعتذر مما آثره من الهرب في وقته، وذاك أورده مورد المتبجح، وأنه خلقه ومذهبه، لعلمه بمصادر الحروب ومواردها. وقوله: الله يعلم لفظه لفظ الخبر، والقصد إلى الحلف؛ لأنه يستشهد بربه فيقول: علم الله ما تركت مقاتلتهم، حتى جرحوني فسال مني على فرسي دمٌ أشقر كثيرٌ، علاه زبد.
وعلمت أني إن أقاتل واحداً ... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي
أراد: وحتى علمت. وإنما أطلق لفظة علمت لارتفاع الشبه عن اعتقاده ذلك. وانتصب واحداً على الحال، والمعنى منفرداً، وواحدٌ ها هنا صفةٌ، والمعنى: وحتى تيقنت أني إن ثبت في وجوههم، وأنتصب منفرداً لمقاتلتهم قتلت، ولا يضر حضوري أعدائي. ونبه بقوله: ولا يضرر عدوي مشهدي أنه لو كان في ثباته ضرر عدوٍ لثبت في وجهه، ولم يبال بقتله. وقوله عدوي يفيد الكثرة وإن كان لفظه موحداً.
فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم سرمد
يقال: صد فلان عني، إذا صرف وجهه صدوداً، وصددته أنا عن كذا صداً. وحكي أصددته، وليس بشيء. يقول: أعرضت عنهم ودماؤهم وأسراؤهم فيهم، ولم أنلها ولم أظفر بها. وهذا يدل على أنه كان موتوراً. وإنما حاربهم لطلب دماءٍ كانت له فيهم. وقوله الأحبة على هذا التفسير يجب أن تكون أحبتهم. ويجوز أن يريد بالأحبة أحبة نفسه، ويكون المراد: ودماء أحبتي وأسراي فيهم. وقوله طمعاً انتصب على أنه مفعول له، وهو الذي يسمى مصدراً لعلة. والمعنى: فعلت ذلك لطمعي في