وقصد الشاعر إلى أن ما يحصل له يجود به، فإذا مات لم يبق له إلا ما ذكره من آلات الحرب والغزو.
وقال آخر:
آل المهلب قومٌ خولوا شرفاً ... ما ناله عربيٌ لا ولا كادا
لو قيل للمجد حد عنهم وخالهم ... بما احتكمت من الدنيا لما حادا
إن المكارم أرواح يكون لها ... آل المهلب دون الناس أجسادا
وصفهم بأنهم أعطوا مجداً لم ينله قبلهم عربيٌ، ولا قرب من أن يناله، فهم متفردون به، لا ينبغي لغيرهم. ثم قال: لو قيل للمجد حد عنهم. يريد أنهم للمجد موضعٌ ومقرٌ لو كان يعقل ثم سيم تركه إياهم، وإخلاله بهم بما يحتكم من الدنيا، ويقترحه من أعراضها، لما تجنبهم، ولا عدل عنهم، وذاك لأن المجد رضيهم محلاَ، ورضوا هم بسكناه أهلاً. والقدر يجرى إلى القدر. وقد ألم بهذا المعنى البحتري في قوله:
أو ما رأيت المجد ألقى رحله ... في آل طلحة ثم لم يتحول
ويقال: خالي فلان قبيلته، إذا تركهم وتحول عنهم. قال النابغة:
قالت بنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ ... يابوس للجهل ضراراً لأقوام
معناه تاركوهم وفارقوهم.
وقوله " إن المكارم أرواح " جعل آل المهلب كالأجساد، والمكارم لها كالأرواح، كما جعلهم في الأول داراً، والمجد سكاناً، والروح لا يثبت إلا في جسمٍ على صفةٍ، كما أن الجسم لا يتصرف إلا بالروح الحاصل فيه مع القدرة فيريد أنهم مقار للمكارم، مصرفون في اكتساب المعالي، فالمكارم بهم تثبت وتبقى، كما أن تصرفهم واقتدراهم من بين الأجساد بها ولها.