وطامعٌ في إحسان زيدٍ إليك، وحريصٌ على صلتك، لم يجز حذف حرف الجر. لا تقول: أنا راغب لقاءك، وطامع إحسانه إليك، وحريصٌ صلتك؛ لأن ما كان يطول الكلام به لم يحصل. يقول: لا تقدروا أنكم إذا أهنتمونا قابلناكم، بالإكرام، وأنكم إذا آذيتمونا كففنا عن أذاكم، لأن عزتنا تمنع من ذلك.
مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا ... سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا
هذا الكلام فيه تهكم فيقول رفقاً يا بني عمنا عن ثلبنا، والوقوع فينا، وسيروا على هينةٍ ووقارٍ، وسكينةٍ وانخفاض، على عادتكم المتقدمة، وسنتكم المعهودة، ودعوا ما استأنفتموه من الأخلاق المنكرة، والسير الذميمة. والأثلة: شجرةٌ تجعل مثلاً للعرض، فيقال: فلانٌ ينحت أثلة فلانٍ، إذا ذمه وتنقصه. وقوله " سيروا رويداً " أراد سير واسيراً ترودون فيه، أي ترفقون فيه وتسكنون. " كما كنتم تسيرونا " أي ارجعوا إلى مثل سيرتكم الأولى، وإلى طريقتكم المثلى، واتركوا ما ابتدعتموه، فإنا لا نحتمله ولا نصابركم عليه. وروى بعضهم بدلاً من المصراع الثاني:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا
ويحمل التكرار فيه على أنه توعد وتأكيد.
الله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكم ألا تحبونا
استشهد بربه في انتفاء الحب عن قلوبهم، وذكر أنهم لا يلومونهم إذا لم يحبوهم. كأن المعنى أن القلوب مجبولةٌ على حب المحسن وبغض المسيء، فإذا ارتفع التعامل بالإحسان مما بينهم، وحدث التجاذب بالإساءة فيهم، فالتحاب لا محالة ساقطٌ، والتباغض حاصل.
كلٌ له نيةٌ في بغض صاحبه ... بنعمة الله نقليكم وتقلونا
يقول: كل واحدٍ منا ومنكم من قبل وإلى الآن له نيةٌ صادقة لصاحبه في العداورة والبغضاء، وعقيدةٌ خالصة في القطيعة والجفاء، فبحمد الله ومنه وجزيل منحه قد استمر أمرنا على أنا نبغضكم وتبغضوننا. وقوله " بنعمة الله " هو كما جاء في القرآن: " ما أنت بنعمة ربك بمجنونٍ ". وقوله " نقليكم وتقلونا " إشارةٌ إلى الحال. وحذف المفعول من الثاني لأن في الكلام ما يدل عليه. ويجوز أن يكون أراد