فما أكبر الأشياء عندي حزازة ... بأن أبت مزرياً عليك وزاريا
انتصب " حزازة " على التمييز، فيقول: ليس انصرافك عنا عائباً علينا حين لم نسعفك بمرادك، ولم نجبك لما خطبت من خطبت إلى ملتمسك، ومعيباً عندنا حين عدوت طورك فتجاوزت مستحقك وقدرك، بشيء يكبر عندي تقطيعه في الصدر، وتأثيره في النفس. أي إرغامك وإسخاطك يهون علينا. والباء الذي في قوله " بأن أبت " هو الباء الذي في قولك ما زيد بمنطلق. ويقال: زريت عليه فعله، إذا عبت عليه فعله؛ وأزريت به، إذا وضعت منه وقصرت به. وقوله " وزاريا " أي وزاريا علينا، فحذف لأن المراد مفهوم.
وإنا على عض الزمان الذي ترى ... نعالج من كره المخازي الدواهيا
يقول: إنا نقاسي هرباً من المكروه الشدائد، ونصبر تفادياً منها على العظاتم. هذا - ما ترى من نكاية الحدثان، وسوء تأثير الزمان، وقصده إيانا بالمكاره والبلاء، والمفاقر والضراء. وهذا تنبيه على أن محافظتهم على الشرف يمنعهم من مناكحة من ليس بكفء لهم، وأن مساعفتهم إياه بما طلبه مخزية عندهم. وقوله " على عض الزمان " موضعه موضع الحال. والمعنى: إنا منكوبين وفقراء نفعل ذلك حذراً من العار.
فلا تطلبنها يا بن كوز فإنه ... غذا الناس مذ قام النبي الجواريا
يقول: لا تطلب التزوج بالمرأة التي خطبتها يا بن كوز، فلك في سائر النساء مندوحة، سيما ومنذ بعث الله عز وجل النبي عليه السلام، وقام بأداء الرسالة عنه، ربي الناس البنات وتركوا وأدهن فكثرن. ويقالك غذاه يغذوه غذواً، وتغذى بكذا. والغذاء: الطعام والشراب.
وإن التي حدثتها في أنوفنا ... وأعناقنا من الإباء كما هيا
يقول: وإن النخوة التي أبلغتها، والحمية التي حدثتها، باقية في أنوفنا حتى لا نشم بها مرغمة، وفي أعناقنا ورءوسنا حتى لا نلويها إلى مخزية ومنقصة هي حاصلة فيها كما أبلغت؛ فالامتناع من مثل ما سمت معروف منا، ومأخوذ به في عاداتنا، فلا نستطرقه. وقوله " في أنوفنا " في موضع المفعول الثالث لحدثتها. وقوله " كما هيا " في موضع خبر إن، وما زائدة. أراد كهي، أي هي باقية بحالها، مستمرة على طريقها. ويجوز أن يكون هي مبتدأ، وكما في موضع الخبر. ويقولون: كما أنا كما أنت، أي