للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومرحلاً انتصب على المصدر، كما تقول: أما تنفك تخرج مخرجاً وتبعد مبعداً. ومعنى ترحل تشد الرحل. وموضع يلمنني موضع الحال، ويقلن في موضع البدل من يلمنني.

فإن الفتى ذا الحزم رام بنفسه ... جواشن هذا الليل كي يتمولا

في الكلام اختصار، كأنه قال: فأجبتهن فقلت: إن الفتى الحازم يحمل نفسه المشقات، ويرمي بنفسه المتالف الصعبات، ويمتطي الأهوال، كي ينال الأموال، غير مفكر في ظلمة ليل، ولا مستصعب لركوب خطب. وقوله: جواشن هذا الليل يعني صدورها وأوائلها. والليل بإزاء النهار في الاستعمال، والليلة بإزاء اليوم. والإشارة بهذا على طريق التقريب. وهم يستعيرون الجواشن والهوادي والصدور والنحور والأعناق والرؤوس لأوائل الأمور، كما يستعيرون الأعجاز والأدبار والأعقاب والأذناب لآواخرها.

ومن يفتقر في قومه بحمد الغنى ... وإن كان فيهم واسط العم مخولاً

افتقر فعل مفتقر وفقير جميعاً، استغنى به عن فقر. يقول: من ناله الفقر بين عشيرته وأهليه حمد الغنى، وصار عنده المطلوب والمتمنى، وإن كان معطوفاً عليه مكرماً، ومع ما فيهم مخولاً. وقوله: واسط العم سطة الحسب: كرمه، والفعل منه وسط. قال:

وقد وسطت مالكاً وحنظلاً

ويقال: فلانٌ وسيطٌ في قومه: جليلٌ، وفلان واسط القوم، وهو أوسطهم أي أشرفهم.

كأن الفتى لم يعر يوماً إذا اكتسى ... ولم يك صعلوكاً إذا ما تمولا

هذا الكلام بعث على التجوال، وتحضيضٌ في اكتساب المال، فيقول: إذا اقتنيت بعد فقرك، واكتسيت عن عريك، فكأنك ما كنت قط فقيراً ولا عرياناً.

<<  <   >  >>