أرق لأرحامٍ أراها قريبةً ... لحار بن كعبٍ لا لجرمٍ وراسب
يقول: يرق قلبي بما تملكه من الرحمة، فانعطف من أجل أواصر أراها قريبةً مشتبكةً بيننا، من جهة الحارث بن كعبٍ، لا من جهة جرمٍ وراسبٍ. والحارث بن كعبٍ في نزارٍ، وجرمٌ وراسبٌ من قضاعة، وهم من اليمن، وكان الحارث بن كعب انتقلت إلى اليمن، ولم تكن منهم، فلهذا قال ما قال. وقيل: عيسٌ وضبة والحارث بن كعبٍ إخوةٌ لأم " ورخم الحارث في غير النداء وذاك في الشعر جائز ".
وأنا نرى أقدامنا في نعالهم ... وآنفنا بين اللحى والحواجب
ذكر المشابه الحاصلة بينهم تأكيداً للقربى والقرابة، الموجبة لما ذكر من الرقة والشفقة، على ما حدث فيهم من وقوع الفرقة، وسقوط التجاور والخلطة. فيقول: أرق للرحم القريبة، ولأنا نرى أقدامهم في النعال كأقدامنا، وآنفهم بين لحاهم وحواجبهم كآنفنا. وقال يبين اللحى ولم يقل لحاهم، لأنه بإضافة الأقدام والنعال اكتفى. وذكر الأطراف لأنها تظهر للعيون، والمشابه تعلق بها أكثر.
وأخلاقنا إطاءها وإباءنا ... إذا ما أبينا لا ندر لعاصب
جعل الشبه في البيت الأول في الخلق وها هنا في الخلق، تأكيداً للأمر. وكان يجب أن يقول وأخلاقنا أخلاقهم، فاعتمد على أن العطف على قوله أقدامنا يدل ويغني - لما يفيده من الاشتراك - ما يغنى في قولهم قام زيدٌ وعمروٌ، وإن زيداً منطلقٌ وعمروٌ. فكأنه قال: وأنا نرى أخلاقنا كأخلاقهم، إذا أعطينا أو أبينا. ثم ذكر ما دل على تشددهم بعد الامتناع فقال: وإذا أبينا لا نتسهل لمن يريد قهرنا. وأصل العصب الشد، ومنه العصابة. وضرع الحلوبة إذا اشتد الزمان بها، وساء خلقها فرفعت اللبن، يشد ويحتلب وإن ضجرت، لمساس الحاجة، واستيلاء الفاقة. وهذا الكلام مثلٌ ها هنا. ومثل البيت قول الآخر:
لا يخرج الكره مني غير مأبيةٍ ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني