والأول أكشف وأصح، بدلالة أن الغفل جعله من القصائد، فكذلك الموسوم يجب أن يكون منها.
قومي بنو الحرب العوان بجمعهم ... والمشرفية والقنا إشعالها
يروى " والمشرفية بالجر " ويكون معنى البيت قومي إخوان الشر الفظيع، وأبناء الحرب التي قوتل فيها مرةً بعد أخرى، فصارت عواناً بعد أن كانت بكراً، أي رفعت من حالٍ إلى حالٍ أشد منها، ويكون هذا مثل قول الآخر:
فلسنا من بني جداء بكرٍ ... ولكنا بنو جد النقال
وعلى ما ذكرنا يتم الكلام بقوله العوان؛ ثم قال " بجمعهم " أي باجتماع قومي واجتماع آلات الحرب اشتعلت نارها. والباء من بجمعهم يتعلق بقوله إشعالها. ويروى " والمشرفية " بالرفع، ويكون على هذه الرواية تمام الكلام عند قوله بجمعهم؛ لأن الباء منه حينئذٍ يتعلق بقوله العوان. والمعنى: قومي بنو الحرب التي عونت، أي صارت عواناً بهم، وباجتماع جيشهم؛ ثم استأنف الكلام؛ فقال:" والمشرفية والقنا "، والمراد واشتعال نارها بالرماح والسيوف المشرفية. وهذا الكلام - أعني والمشرفية - وإن استؤنف به فمن صفة الحرب. وقيل في المشرفية إنها نسبت إلى المشارف، وهي قوىً معروفة تجلب منها وتطبع بها. ويقال: أشعلت النار في الحطب، وأشعلت الخيل في الغارة، وأشعلته غضباً.
ما زال معروفاً لمرة في الوغى ... عل القنا وعليهم إنها لها
ما زال لدوام الماضي، وارتفع عل القنا على أنه اسمه، وخبره معروفاً. والمعنى: سقى الرماح عللاً بعد نهلٍ عادةٌ معروفةٌ لهم، فيما تقادم من الأيام إلى الآن إذا حضروا الحرب. والعل والعلل: الشربة الثانية، ويقال: عل إبله يعلها فعلت هي. وأنهلت الإبل، إذا سقيتها أولاً، فنهلت، إذا شربت في أول الورود حتى رويت. ومثل هذا البيت قول الآخر:
نهلنا من دماء بني لؤيٍ ... وأنهلنا القنا حتى روينا