للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تطعمن ما يعلفونك إنهم ... أتوك على قرباهم بالمثمل

أخرج ما قدمه من التمثيل لكيدهم وسوء دخلتهم، وما يجب عليه من الأخذ بالتحرز معهم، وترك الاستناخة في المبرك الذي اختاروه، والمبوأ الذي أعدوه، في معرضٍ آخرٍ. والمعنى: وما يعد قرىً لك فتجنبه ولا تتناوله، فإنهم هيئوا لك به سماً قاتلاً فلا تطعمه والمثمل، هو السم الذي قد خلط به ما يقويه ويهيجه، ليكون أنفذ. ويقال للصوفة التي توضع في الهناء عند طلي البعير به. الثملة، وهو مما ذكرت. قال الزاجز:

كما يلاث في الهناء الثملة

وقوله " أتوك على قرباهم " يجوز أن يريد به على تقربهم وتنصحهم، ويجوز أن يريد به على قرابتهم وتشابك الأحوال بينك وبينهم. وإنما تنقل في المثل بعد المثل تأكيداً للقول عليه في محاذرتهم، وإنذاراً في الركون إليهم، والاستنامة إلى ناحيتهم.

أبعد الإزار مجسداً لك شاهداً ... أتيت به في الدار لم يتزيل

هذا الكلام وإن كان لفظه لفظ الاستفهام فهو تقريعٌ وإنكارٌ، وتنبيهٌ وإنذارٌ، فيما يضرب المخاطب عنه، ويغفل دونه، مع كونه أعدل شاهدٍ على سوء نيتهم، وخبث طويتهم، ومع خروجه عن حيز الاستدلال عليه إلى المشاهدة، ومن خلل الخفاء والتشكك إلى ظاهر الضرورة. فيقول: أتغتر بهم، أو تستريب بما أحذرك منهم، بعد ظهور أمرهم وانكشاف قصدهم، وبعدما أتيت به في الدار من الإزار المتلطخ بدم ابن عمك، وقد يبس عليه ولم يتزيل عنه. فقوله " بعد الإزار " يتعلق بفعلٍ مضمرٍ قد دل عليه خبيئات القصة المحكية. والمجسد: الثوب المشبع صبغاً. والجساد: الزعفران. ومعنى لم يتزيل: لم ينفك مما خالطه منه.

أراك إذاً قد صرت للقوم ناضحاً ... يقال له بالغرب أدبر وأقبل

الناضح: البعير الذي يستقى عليه الماء. والنضح من الحياض: ما قرب من البئر فيفرغ الماء من الدلو فيه، وهذا الكلام صدر عمن نصح جهده وبين لموعظه

<<  <   >  >>