يكون ذلك الفارس الذي ظهر لهم ثقةً بالمعرفة بينه وبينهم، فعد ظهوره أخذاً للأمان عليهم. ويجوز أن يكون سمى ترك أقرب الأمرين إلى الكرم والوفاء معه غدراً، ثم برأ ساحته منه.
يقول: تسارعوا مقلبين نحونا، وكأنهم في كثرتهم وتعجلهم قطعة من السحاب فيها بردٌ - ووجه التشبيه أن لهم حفيفاً ووقعاً شديداً متهافتاً، كما يكون لذلك السحاب - ونحن لكثرتنا وإتياننا على ما يعترض في طريقنا كالسيل الذي لا يبقي ولا يذر. ومعنى " نركب وازعينا " أي لا ننقاد لمن يريد ضبطنا، ولا نطاوع من يطلب كفنا من الجيشين جميعاً. ولم يثن " وأزعينا " لأنه يشير إلى رجلين، لكنه أراد الكثرة والجنس بالوزاع، ثم ثنى مبيناً اختلاف الطائفتين من الخيلين. ولا يجوز أن يروى " وزعينا " بكسر العين لما يحصل من العيب بالسناد مع ارتفاع الضرورة.
فنادوا يا لبهثة إذ رأونا ... فقلنا أحسنى ضربا جهينا
يقول: لما شارفناهم استغاثوا ببني بهثة معتزين إليهم، ومستمدين منهم، فاستثرنا نحن أيضاً في مقابلة ما فعلوا بنى جهينة، وهززناهم للضرب فيهم، والإيقاع بهم. وإنما يستعملون الاعتزاز في مثل هذه الحالة تهويلاً للأمر، وتكثيراً للعشيرة، ليستشعر كلٌ من الفريقين الرعب من صاحبه، والتهيب له. واللام من " يا لبهثة " لام الجر، وتعلقت بيا: حرف النداء. ولا يجوز أن يقال تعلقت بالفعل الذي دل عليه يا، لأن ذلك الفعل لما لم يخرج إلى الوجود سقط حكمه. وفتحت لوقوع المنادى موقع المضمر. وبهثة مدعوةٌ، والجار مع المجرور في موضع نصب لأنه منادىً. وقوله أحسني ضرباً " يجوز أن يكون ضرباً مفعولاً به من أحسني، ويجوز أن يكون في موضع الحال أي ضاربةً. ويروى: " أحسني ملأً "، ومعناه خلقاً. والمراد مخالقة أهل الحرب والمستنصرين؛ وهذه رواية أبي زيد. وقال ابن السكيت: معناه أحسني تمالؤاً أي تعاوناً. ويقال مالأت على فلان، وكأنه من قولهم رجلٌ مليءٌ، وقد ملؤ بملؤ ملاءةً وملاءً.
سمعنا دعوة عن ظهر غيبٍ ... فجلنا جولةً ثم ارعوينا
يقول: قرع أسماعنا في أثناء التهيؤ والتطالع دعوةٌ تأدت من مكانٍ غائبٍ عن عيوننا، فدرنا دورةً ثم رجعنا إلى أماكننا. وهذا يجوز أن يكونوا خافوا الكمين