من البلاء في عماياتٍ لا انكشاف لها. وخبر إن " جلبن بإذن الله " وقوله " كبون فما يفلحن " أو " أبين فلا يفلحن " اعتراضٌ بين إن وخبره. والمعنى معنى الدعاء، فهو كما يقال إن زيداً خذله الله فعل كذا. ومثله في الاعتراض بالدعاء قول الآخر:
................ ما لكم ... تفاقدتم لا تقدمون مقدما
ويجوز أن يكون الكلام كله إخباراً متجرداً عن الدعاء، فيكون معنى كبون وأبين، أنه حصل لهن ذلك. والنكد: جمع أنكد. والرباط: مصدر رابطت، ولذلك وقع على الواحد والجمع. والآل، ذكر البصريون أنه في معنى الأهل، لا فرق بينهما، وأن تصغيره أهيلٌ، وهذا يؤذن بأن أصل ألفه هاءٌ. وحكى ثعلبٌ عن شيوخه أن الأهل، القرابة، متبعاً كان أو غير متبع، وأن الآل المتبع وإن لم يكن ذا قرابةٍ، فهما لمعنيين. قال: وحكى الكسائي في تصغير الآل أويلٌ، وفي تصغير الأهل أهيل.
جلبن بإذن الله مقتل مالكٍ ... وطرحن قيساً من وراء عمان
أخذ يعتد الخصال المكروهة الحاصلة بها، فيقول: جلب سبق داحسٍ بعلم الله تعالى قتل مالك بن زهيرٍ، وتطريح قيس بن زهيرٍ من أرض العرب إلى عمان. وكان قيسٌ نذر ألا ينظر في وجه غظفانيٍ أبداً، فدعاه ذلك إلى مراغمة العشيرة، والتباعد في الغربة. وقوله " بإذن الله " من قولك أذنت بالقوم. وفي الحديث:" ما أذن الله لشيءٍ ". وقصد الشاعر أن يذكر ما أعقب سبق داحسٍ من الشر، وألحق من الشؤم. وقوله " جلبن " جعل اللفظ للآل، والمراد داحسٌ، لكنه لما جعل الدعاء لآله استمر في الإخبار على حاله ولم يغير. ويشبهه قول الآخر:
إن ابن ضرارٍ حين أندبه ... زيداً سعى لي سعياً غير مكفور
أراد: إن ابن ضرارٍ زيداً، فذكر الآل والمراد غيره. وهم في كثير من المواضع أقاموا الوالد مقام الولد والولد مقام الوالد، والعشيرة مقام الواحد منها، والواحد مقام