وإذا كان كذلك فقوله " وفي الحرير " ينصرف إلى سائر الألوان، ويشتمل على جميع الأجناس، فكأنه قال: ترفل في أجناس الحرير، الأبيض منها وغير الأبيض يريد أن معارضها من تلك الأجناس.
فدفعتها فتدفعت ... مشي القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفست ... كتنفس الظبي العقير
قوله " فتدافعت " هو مطاوعة دافعت، ومطاوعة دفعت اندفعت، إلا أنه يوضع كلٌ موضع صاحبه. فيقول: هززتها لمساعدني، وبعثتها لتسعى معي فانبعثت واسمحت وهي تمشي مشي القطاة إذا وقعت على الغدير، ومشت نحو الماء. وهذه المشية فيما يقال أحسن المشي، لأمنها وسرورها بالورود، وعجبها بالخلاء، وانتصب " مشي " على أنه مصدرٌ من غير لفظه لأن معنى تدافعت مشت، والقصد إلى التشبيه لأن المعنى مشت مشيةً تشبه تلك المشية. وسيبويه يضمر في مثل هذا الموضع فعلاً من لفظ المصدر إن وجده، وإلا قدره، ويجعل الظاهر دليلاً عليه. وقوله " ولثمتها " يريد. وقبلتها فتنفست. ومنه اللثام، لأنه في الفم كاللثام في الأنف. والمعنى أني لثمتها فلحقها من ذلك تعب، فتنفست له تنفساً كتنفس الظبي إذا عقر. ويقال إنه في تلك الحالة يتنفس تنفساً ممتداً طويلا؛ فشبه تنهدها به. ويروى. " كتنفس الظبي البهير "، والمعنى قريبٌ، لأن البهر: النفس العالي. وفي طريقة قوله " ولثمتها فتنفست " قول طرفة العبدي.