أسيد أراد به قبيلةً، ولما منعه الصرف. وهذا الاستشهاد هو تصويرٌ للحال وتطرقٌ إلى الإخبار. وإنما يفتخر بأنه قتل قاتل وائل، وأدرك ثأره، لما اعتمد في طلب دمه، واعتقد أن إدراك شفاء النفوس من جهته وبه. والبلبال: الحزن. وقوله " أم هل " الاستفهام بأم دون هل، لأن أم هذه هي المنقطعة، ولا يجوز أن يكون العاطفة. لأن تلك تجيء عديلة الألف. وقوله " شفيت النفس " يجوز أن يريد به نفسه، ويجوز أن يريد به الكثرة والجنس، كأنه يريد أنه شفى الموتورين فيه، وأزال ما خامرهم من لذع المصيبة، وألم الفجيعة. وقوله " إذ أرسلوني " إذ ظرفٌ لقوله ثأرت، أو لقوله شفيت. والمائح: الذي يدخل البئر فيملأ الدلو عند قلة الماء فيها، والحاجة إلى الغرف من قعرها. وإنما جعل نفسه مائحاً لينبه على أن طلب دم الواترين كان متعسراً متعذراً، كما أن الاستقاء على الوجه الذي ذكره يكون شاقاً متعبا. فهذا وجه عدوله عن المتح إلى الميح. وقوله " فملأتها علقاً إلى أشبالها "، انتصب علقاً على التمييز. وأسبالها: أعاليها، ومثله الأصبار، وسبلة الرجل منه. واختار بعضهم أن يرويه " إلى إسبالها " بكسر الهمزة، مصدر أسبل، وليس بشيء. والمعنى: ملأت دلاءهم من دمك واتريهم. وجعل لهم دلاءً لاشتراكهم في الدم وطلبه، ولنيابته عن كل أوليائه. ولما استعار الدلاء والميح لما ذكرته كنى عن فعله وتصرفه بالملء.
وذكر بعضهم أن وائلاً المفتول هو وائل بن صريم الغبري أخو باعثٍ الشاعر، وله قصةٌ. وهي أن عمرو بن هندٍ بعثه ساعياً على بني تميم، فكان جالساً على شفير بئرٍ يجمع الصدقات، فدفعوا في صدره وأسقطوه في البئر، ثم رجموه بالحجارة حتى قتلوه، وأخذوا يرتجون على طريق التهكم والاستهزاء:
يأيها المائح دلوى دونكا
فاتصل خبره بأخيه باعثٍ، فسار في بني غبر وآلى أنه لا يمسك عن مقاتلتهم حتى يملأ دلواً من دماء بني تميم! ففعل، حتى كانت المرأة تقول:" تعست غبر، ولا سقيت المطر، ولا لقيت الظفر ". قال: فهذا معنى " إذ أرسلوني مائحاً بدلائهم "، وهذا حسنٌ، والأول محمولٌ على طرقهم وعاداتهم. ومثله قول الآخر: