للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: ليس يزيد شيء مما قاله على قول كبشة:

ودع عنك عمراً إن عمراً مسالم.

وإذا كانت أبياتها باتفاق من أصحاب المعاني لا تكون هجواً، فكذلك أبيات هذا العنبري. ومما يشهد للطريقة التي سلكناها ويؤيدها، أن في جملة أبياته التي وصف فيها قومه:

لاخبون نيرانهم حتى إذا خمدت ... شبوا لموقد نار الحرب نيرانا

وهذا المعنى هو مثل ما افتخر به غيره في صفات نفسه فقال:

أفر من الشر في رخوة ... فكيف الفرار إذا ما اقترب

بل الذي ذكره العنبري أزيد، لأنه وصفهم بالاحتمال والصبر ما أمكن، فإذا اهتاجوا زادوا على كل هائج. ألا ترى أنه قال:

شبوا لموقد نار الحرب نيرانا

ومعنى البيت لو كنت مازنياً لم تغر بنو اللقيطة على إبلي.

ولقيطة ألحق بها الهاء وإن كان فعيلاً في معنى مفعولة، لأنه أفرد عن الموصوف به وجعل اسماً. وهذا كما يقال النشيطة والذبيحة، والبنية في الكعبة.

فأما الاستباحة، فقد قيل هي في معنى الإباحة، وقد قيل: إن الإباحة هي التخلية بين الشيء وبين طالبه، والاستباحة اتخاذ الشيء مباحاً للنفس. وكأن الأصل في الإباحة إظهار الشىء للمناظر ليتناوله من شاء ومنه باح بسره بوحاً وبؤحاً. والمازن في اللغة: بيض النمل، ويقال: هو يتمزن على أصحابه، كأنه يتفضل عليهم. وذهل من ذهلت عن الشىء.

إذاً لقام بنصرى معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

اللام في لقام جواب يمين مضمرة، والتقدير إذاً والله لقام " بنصرى ".

فإن قيل: فأين جواب لو كنت؟ قلت: هو لم تستبح إبلى. وفائدة إذاً هو أن هذا أخرج البيت الثاني مخرج جواب قائل قال له: ولواستباحوا ماذا كان يفعل بنو مازن؟ فقال: إذاً لقام بنصرى معشر خشن. قال سيبويه: إذاً جواب وجزاء، وإذا كان كذلك فهاذا

<<  <   >  >>