يقال صبا قلبي يصبو صبواً وصبواً. والصبوة: جهل الفتوة. يقول: أسهرني خيالك، وانعدل قلبي عن وجهه وطيته، ذهاباً فيك، وميلاً إليك. ثم أخذ يصف الخيال فقال: هي تأتيني من ناحية اليمن، فتزور زيارةً خفيفةً لا لبث معها ولا تمكث فأتمتع بها، وتبدي لي في إلمامها ما دق من محاسنها كالعين والأنف والأسنان والفم، وتستر ما جل منها كالمعصم والساعد والساق والفخذ، فاسهر. كأنه رآها في المنام على ما كان يراها في اليقظة خرادةً وحياءً. ويقال معصمٌ غيلٌ، وساعدٌ غيلٌ، أي ممتلئٌ من اللحم غليظ. والمحاسن قيل لا واحد لها، ومثله في ذلك المساوي والمذاكير. وقال الخليل: واحدها محسنٌ، وهي المواضع الحسنة. يقال: امرأةٌ كثيرة المحاسن.
ذريني ما أممن بنات نعشٍ ... من الطيف الذي ينتاب ليلا
يستعفي من خيالها لاشتغال قلبه بالغزو. والاستعفاء في الحقيقة من الحب الذي يصورها في فكره حتى يحلم بها. وقوله ما أممن الضمير للخيل ولم يجر لها ذكر، ولكن المراد مفهومٌ. وموضع ما أممن نصبٌ على الظرف، أي مدة أمها، لأن ما مع الفعل في تقدير مصدرٍ حذف اسم الزمان معه. وبنات نعشٍ من الكواكب الشامية، وكان غزوه نحو الروم. والمعنى: أعفيني من الصبا واللهو، وشغل القلب بالحب والعشق، ما دمت في هذا الوجه، وقاصداً نحو الغزو. وليلاً، انتصب على الظرف، كأنه كان يسير النهار، فإذا نزل ليلاً ونام أرقه الخيال. وروى بعضهم:" يأناب ليلاً " وهو يفتعل من الأوب؛ وينتاب أوجه في النقد وأحسن.
ولكن إن أردت فهيجينا ... إذا رمقت بأعينها سهيلا
يقول: إن أردت تشويقنا إليك، وتذكيرنا بك، فليكن عند منصرفنا من الغزو، وقفولنا من هذا الصقع، وحين تنظر خيلنا إلى سهيل. وإنما قال ذلك لأن سهيلاً من الكواكب اليمانية. لذلك قال عمر بن أبي ربيعة:
أيا المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان