للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأتى بالشقاق وأصله من شق العصا.

وإن لنا إما خشيناك مذهباً ... إلى حيث لا نخشاك والدهر أطوار

يتوعده بأنه إن أعياه مقارته ولم يف بمدافعته، فارق أرضه وتربص به ما لا يؤمن من تغير الزمان، وتحول الأحوال، لأن في سعة الأرض مذهباً له، وفي التباعد عنه راحةً تؤمنه. وقد أومأ بقوله والدهر أطوار إلى تصاريف الزمان، وتلونه بالخير تارةً وبالشر أخرى. ويقال الناس أطوارٌ، أي أخيافٌ على حالاتٍ شتى. وفي القرآن: " وقد خلقكم أطواراً ". وقوله إلى حيث لا نخشاك أجرى حيث مجرى الأسماء، وجعل لا نخشاك من تمامه، وحذف الضمير منه تخفيفاً، كأنه قال إلى حيث لا نخشاك فيه، أي إلى مكان الأمن منك. ويروى " فإن لنا عنكم مزاحاً ومذهباً ". والمزاح: المبعد، يقال: زاح عني.

فلا تحملنا بعد سمعٍ وطاعةٍ ... على غايةٍ فيها الشقاق أو العار

يقول: لا تلجئنا بعد انقيادنا لك في كثير من الأمور، ودخولنا تحت هواك، وتلقينا بالسمع والطاعة أمرك، إلى غايةٍ تضيق نطاق صبرنا، وتعجز طاقتنا وجهدنا، فتفضى بنا الحال إلى أحد شيئين، إما مشاقتك ومجاهدتك، وركوب كل صعبٍ وذلولٍ في الخروج عنك وعليك، وإما الرضا بالدنية والدخول تحت العار والهضيمة، فلا حظ لنا ولك في واحدةٍ منهما. وقد مضى القول في الشقاق وأصله. يقال هو يشاقهم خلافاً وعناداً.

فإنا إذا ما الحرب ألقت قناعها ... بها حين يدفوها بنوها لأبرار

قوله إذا ظرفٌ لخبر إن، وهو أبرار. وكذلك قوله حين يجفوها، والتقدير: إنا لأبرار بالحرب إذا ألقت قناعها وجفاها أبناؤها. وقوله ألقت قناعها مثلٌ. يريد: إذا اشتدت فتكشفت، وزالت المساترة بين أولادها فتبرجت، في أقبح زيها وأفظع صورتها. وتشبيه الحرب في ابتدائها بالفتية المخدرة وتسترها، وعند تفاقمها بالعجوز واطراحها لقناعها، مشهور في عاداتهم وطرائقهم. وبر أبنائها بها: صبرهم على حرها، وتهييجهم لنارها. وجفاؤهم بها أن يكونوا على الضد من ذلك.

<<  <   >  >>