للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الكلام يجري مجرى التعريض لما يشتمل عليه من التعيير. وقوله فعقبة مبتدأ وخبره لم يحجم. فيقول: من كان كف في اللقاء عن الإقدام وقت الحاجة، وأعفى نفسه من الاقتحام أوان المحافظة، راضياً بالقصور والتقصير، والانخزال والفتور، أو سقطت همته، وتخترت حقيقته، فلم تبعثه أنفةٌ، ولم يهيجه امتعاضٌ وأبيةٌ، فعقبة بن زهيرٍ يوم منازلته للأتراك لم يتوقف في المدافعة، ولم يتلبث فيها دون أبعد الغاية. والإحجام: ضد الإقدام. وقد مضى القول في موضوعه. وحقيقة الرجل: ما يحق عليه الدفع عنه من ذويه وحسبه، كما أن حقيقة الأمر ما يتيقن من وجوبه. واستعارة النوم فيها حسنٌ، فهو كما يقال نام الثوب إذا أخلق. وقحم الأمور والطرق: ما صعب منها. وقوله لم يخم يقال خام عن قرنه، إذا نكل ونكص على عقبه. ويقال أيضاً: خام في مكيدته يخيم، إذا لم يظفر فيها بخيرٍ. وقوله فعقبة جواب من كان أحجم.

مشمرٌ للمنايا عن شواه إذا ... ما الوغد أسبل ثوبيه على القدم

يقول: كشف في المجاهدة عن ساقه، وتشمر للبلاء عند سياقه، إذا الدني من الرجال أرخى ذيله، فلا يتشمر لتلقي المهمة، وتغشى غطاء عجزه، فلا ينبعث لدفع الملمة، ولا يتحرك لمنع المظلمة. والشوى: الأطراف. والوغد من قولك: وغدت القوم، إذا خدمتهم. وقوله إذا ما الوغد ما زائدة، وإذا ظرفٌ لما دل عليه قوله مشمرٌ وهو جوابه. وفي خلاف قوله قول الآخر:

وكنت إذا جارى دعا لمضوفةٍ ... أشمر حتى ينصف الساق مئزري

خاض الردى في العدي قدماً بمنصه ... والخيل تعلك ثني الموت باللجم

يقول: دخل قديماً في مكاشفة أعدائه الهلاك بسيفه، لا ينقبض ولا يحجم، والخيل عواض على لجمها، تعلكها في أثناء الموت. والعلك: المضغ، ويقال: في لسانه عولكٌ، أي يمضغه. فعلى هذا يكون ثني الموت ظرفا، كما يقال جعلته ثني كذا. ويجوز أن يكون مفعولاً من تعلك. ويقال: ثنيت الشيء ثنيا، ثم يسمى المثني ثنيا. ويكون باللجم في موضع الحال، كأنه قال: والخيل تمضغ مثنى الموت، أي

<<  <   >  >>