على ذلك قوله تعالى:" رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالاته " وقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغص الموت ذا الغنى الفقيرا
وقد قيل إن حماراً المذكور اسم رجلٍ كان يضرب به المثل في الذل، فلذلك ذكره. ولا يجوز أن يراد به واحدٌ من الحمر، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يقول في الثاني إلا بإذن الحمار؛ لأن النكرة إذا أعيد ذكرها يجب تعريفه بالألف واللام إشارةً إليه. على هذا كتب في أواخر الكتب وقد قدم في أوائلها: سلامٌ عليك: والسلام عليك.
لكنه حوض من أودى بإخوته ... ريب الزمان فأمسى بيضة البلد
هذا الكلام فيه تنبيهٌ إلى شدة فاقته إلى من يذب عنه، وتأكد جزعه لما فاته من الصيانة بإخوته، فيقول: لكنه حوض رجلٍ فرق الدهر بينه وبين من كان يعتز به، ويدفع الظلم والهضيمة عن نفسه بمكانه، فأمسى لا ناصر له، ولا دافع دونه، كبيضة البلد. وقد قيل في بيضة البلد: إنه أراد بيض النعام، لأنها سيئة الهداية، فتضع بيضها في موضع، ثم تتركه ضلالاً عنه فتضيع، وربما تذهب وتحضن بيض غيرها تظن أنها بيضها. وقد ضرب المثل بها فقيل:
كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا
وقد قيل: إن بيضة البلد هي الكمأة البيضاء تنشق عنها الأرض - وهي الفقع - فتطؤه الماشية، وتنقره العافية، ولذلك قيل: أذل من فقعٍ بقاعٍ. وكما ضرب المثل ببيضة البلد في الذل ضرب المثل بها في العز أيضاً. وقد مضى ذكرها. وأنشدني بعضهم لأخت عمرو بن عبد ودٍ ترثي أخاها، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قاتله:
لو كان قاتل عمروٍ غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح في جسدي