للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله بوجهي تعلق الباء منه بطلبت، والمعنى ببذل وجهي، كأنه تولى الطلب بنفسه، وابتذل وجهه وجاهه فيه، فلم يدرك المطلوب. ومفعول طلبت محذوف دل عليه قوله فلم أبغ الندى والتقدير: طلبت بعد سائبٍ الندى ببذل وجهي فلم أنله، وليتني قعدت فلم أبغه، ولا يمتنع أن يتعلق الباء من قوله بوجهي بأدرك، وهو المختار عند أصحابنا البصريين، ويكون التقدير: طلبت الندى فلم أدركه ببذل وجهي. وقوله بعد سائب يجوز أن يكون العامل فيه طلبت وكل واحدٍ من الأفعال المجتمعة، وهي: طلبت وأدرك وقعدت ولم أبغ. والمعنى: بعد موت سائب.

ولو لجأ العافي إلى رحل سائبٍ ... ثوى غير قالٍ أو غدا غير خائب

ألم في هذا البيت بقول الآخر:

حتى يكون عزيزاً من نفوسهم ... أو أن يبين جميعاً وهو مختار

لأن معنى من نفوسهم مقيما فيهم، وكالواحد منهم. يقول: ولو التجأ العفاة هاربين من الزمان، ونكد الحدثان، إلى فناء هذا المرثي، أقاموا مكرمين معظمين، لا يجتوونه ولا يبغضونه ما داموا مقيمين، وإذا أرادوا الانصراف عنه اغتدوا غير محرومين ولا يائسين. وانتصب غير على الحال وأشار بالعافي إلى الجنس؛ ويقال عفاه واعتفاه، إذا طلب معروفه، فأعفاه أي أعطاه. ومنه عافية السباع والطير.

أقول وما يدري أناسٌ غدوا به ... إلى اللحد ماذا أدرجوا في السبائب

موضع ماذا أدرجوا نصبٌ على أنه مفعولٌ لأقول، ويجوز أن يكون ما مع ذا بمنزلة اسمٍ واحدٍ وأدرجوا في موضع الخبر، ويجوز أن يكون ما وحده اسماً وذا خبره بمنزلة الذي وأدرجوا من تمامه. والمعنى: أقول متلهفاً فعل من أعياه الأمر فالتحف باليأس، وتعلل بكلمة الحسرة بعد الفوات: أي رجلٍ أدرج في الكفن والغادون به إلى اللحد لا يعلمون. وهذا تفظيعٌ للشأن، وتعظيم لحادث الرزء، وقوله أناسٌ أشار به إلى الجماعة والطائفة، والألف فيه زائدة بدلالة قولهم أنسٌ وأناسيٌ وإنسٌ. وإذا كان كذلك فقوله ناسٌ منه أيضاً، والألف زائدة، وفاء الفعل محذوفة. ومن ذهب إلى أن لفظة الناس ليست من أناسٍ في شيءٍ، وأن الألف فيه منقلبةٌ عن حرفٍ أصليٍ فقد أخطأ. والسبائب: جمع سبيبةٍ، وهي الثوب الأبيض، العمائم

<<  <   >  >>