قوله في لحدٍ موضعه نصبٌ على أن يكون خبر أصبح، وانتصب ميتاً على الحال، وكذلك قوله حياً انتصب على الحال. ولا يجوز أن يكون لحدٍ في موضع الحال وميتاً خبر أصبح، لأن ميتاً من الصدر في مقابلة حياً من العجز، ولا يكون ذلك إلا حالاً، فكذلك يجب أن يكون ميتاً، وإلا اختلفا وفسد المعنى. يقول: أصبح وهو ميتٌ يتسع له لحدٌ من الأرض، وكانت الصحاصح تضيق عنه وهو حيٌ. فيجوز أن تكون تضيق عن جيوشه وأصحابه الذين كانوا يحيون بحياته، ويسطون على الدهر بعزته، ويجوز أن يريد بالضيق ما كان يبث من إحسانه، وينتشر من جدواه في أهل الأرض ويشملهم من المنافع بمكانه وجاهه، فيكون التقدير أنها لو جسمت لكانت الصحاصح تضيق عنه. والصحصح والصحصحان: الأرضون المستوية الواسعة. وفي طريقته للبحتري:
كانوا ثلاثة أبحرٍ أفضى بها ... ولع المنون إلى ثلاثة أقبر
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض ... فحسبك مني ما تجن الجوانح
ضمن له دوام البكاء ما دامت الدموع تجيبه وتساعده، فإن عجزت ونقصت عن المراد، وانقطعت أوان الحاجة، فكافيه منه ما تشتمل عليه جوانحه، ويتضمنه صدره وفؤاده. وقوله ما فاضت في موضع الظرف، أي مدة فيضها. وقوله حسبك مبتدأ وخبره ما تجن. وقد يتم حسبك بنفسه فلا يحتاج إلى خبرٍ، فيقتل حسبك، وحينئذٍ يتضمن معنى الأمر، كأنه يراد به اكتف، ولذلك يستقل الكلام به. ويقال: غاض الماء وغضته. والجوانح: الضلوع، سميت بذلك لانحنائها. والجنوح: الميل.
وما أنا من رزءٍ وإن جل جازعٌ ... ولا بسرورٍ بعد موتك فارح
قوله ما أنا من رزءٍ تبرؤٌ من الجزع على الرزء، أي ليت له بصاحبٍ وإن جل الفادح، كما أتى لست بسرورٍ به وإن عظم بفارحٍ. والمعنى: أن المنايا والعطايا تساوت أقدارهما عندي بعدك، لأنك كنت المرجو عندي. والمخوف عليه لدي، فلما فاتني القدر بك أمنت من الجزع لحادث شرٍ، ويئست من الفرح لنائب خيرٍ. ولو قال بذل جازعٍ وفارحٍ: جزعٍ وفرحٍ، كان أفصح وأكثر، لأن فعل إذا كان غير متعدٍ فالأجود والأقيس في مصدره فعلٌ، وفي اسم الفاعل فعلٌ، وإذا كان متعدياً فبابه