للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرزء. وقوله أسمعا حذف مفعوليه لأن المراد أسمعا الناس نعيه، وهو بتجرد من المفعول يستعمل في المكروه كثيراً، ولأنه إذا أطلق مبهماً فالإطلاق في مثل هذا المكان أبلغ، وإنما قال مروعاً إيذاناً بأن ذلك الروع ثبت في القلب حتى لا إفاقة منه. ويجوز أن يريد أنه مرزأ في الكرام، فهو الدهر قلقٌ لا يسكن، وحذرٌ لا يأمن.

وما دنس الثوب الذي زودوكه ... وإن خانه ريب البلى فتقطعا

الدنس: لطخ الوسخ ونحوه حتى في الأخلاق. يقال: هو دنس المروءة، وقد دنس عرضه. ونبه بهذا الكلام على أن زاد المتوفى من الدنيا كفنه، وأن ما كفن فيه المتوفى بقي طاهراً لطهارة نفسه وعنصره، وأنه كان يجب بقاؤه جديداُ لا يؤثر فيه البلى، ولا تسبق إليه الخلوقة، وأن تأثير ريب الدهر فيه بالتقطيع خيانةٌ منه. وكل هذا تعظيمٌ للمرثي، وأن حاله بخلاف أحوال غيره حياً وميتاً. ومعنى خانه ريب البلى أي نزول البلى، قال أبو عبيدة: يقال راب عليه الدهر، أي نزل.

دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا

يجوز أن يريد بالأيام نوائب الأيام وأحداثها فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويجوز أن يريد الأيام أنفس الأحداث، فسماها أياماُ كما تسمى الوقعات بها، وكما قال الله عز وجل: " وتلك الأيام نداولها بين الناس ". ومعنى حتى إذا أتت تريدك موضع تريدك نصبٌ على الحال، أي مريدةً لك. وفائدة حتى الغاية: كأنه قال: دافعنا الأيام بك وبمكانك إلى وقت مجيئها مريدةً لك، فحينئذٍ لم تقدر على دفاعها. وقوله لم نسطع أراد نستطع فحذف منه تخفيفاً لكثرته في الكلام. يقال اسطاع يسطيع، بمعنى استطاع يستطيع؛ وقد حكى أسطاع بفتح الهمزة يسطيع بضم الياء، وليس هذا من الأول لأن هذا في معنى أطاع.

مضى فمضت عني به كل لذةٍ ... تقر بها عيناي فانقطعا معا

يقول: مضى عمروٌ لسبيله فانقطعت عني لذات الدنيا، وفارقتني بفراقه، فانقطعا مجتمعين ومصطحبين. وموضع تقر بها عيناي جرٌ على أن يكون صفةً للذةٍ، أي كل لذةٍ تبرد لها عيناي لها وتسر نفسي بحصولها. وقوله " معا " في موضع الحال. وقوله تقر بها عيناي، قيل هو من القرار، وقيل هو من القر: البرد. وهذا أقرب لأنه يقال في ضده: سخنت عينه، وهو سخنة العين.

<<  <   >  >>