يخاطب امرأةً والنساء كلهن عنده تلك المرأة، فيقول: أكثري البكاء على المقتولين بهذا المكان - وقيل العدان ساحل من سواحل البحر - والمدفونين ببطن برامٍ، فقد طالت إقامتهم. والمراد أن اليأس منهم قد حصل وقوي، وأن غيبتهم اتصلت فرفعت الأطماع من عودهم والاجتماع معهم. ثم أخذ بصفهم فقال: كانوا على المنابذين والمخالفين كنار هذا الملك، لا تبقى ولا تذر - ومحرق هو عمرو بن هند، وكان نذر أن يحرق مائة نفس، ففعل، فضرب المثل بناره - وكانوا لقومهم حرماً من الأحرام، لا مخافة فيهم ولا هضيمة. يريد أن قومهم يأمنون نزول النوائب بهم في فنائهم، فكانوا كمن حصل في الحرم، وأن أعداءهم كانوا يحترقون بنكايتهم فيهم، فكانوا عليهم كنار هذا الملك.
وقوله محرق وإن كان صفةٌ في الأصل، فصار بالاشتهار في رجل واحدٍ كالعلم له. وعلى هذا جاء في قوله:
عليهن فتيانٌ كساهم محرقٌ
وقوله:
إليك ابن ماء المزن وابن محرقٍ
وقوله حرماً من الأحرام نكره لاختلاف الأحرام. وهي حرم الله تعالى بمكة والشام، وحرم الرسول عليه السلام بالمدينة.
لا تهلكمي جزعاً فإني واثقٌ ... برماحنا وعواقب الأيام
هذا الكلام تسليةٌ لها وإن كان أمرها بالبكاء، وإيذانٌ أنه سيدرك الثأر، فهو ينتظر عقب الأيام وانتهاز الفرص. ونبه بقوله واثقٌ برماحنا على الغناء عندهم، وأن العناية متوفرةٌ من جهتهم. وانتصب جزعاً على أنه مصدرٌ لعلةٍ، ولا يمتنع أن يكون في موضع الحال يريد جازعةً، وهذا الجزع الذي نهاها عنه ليس يريد به الحزن لفقده، وإنما يريد الحزن لسلامة الواتر على مر الأيام لا غير. ألا ترى أنه قال: فإني واثقٌ برماحنا. وقوله عواقب الأيام يشير فيه إلى تغير الزمان واختلاف الحدثان، وأن