النجاة والنجوة: ما ارتفع من الأرض حتى لا يصل إليه السيل ولا يبلغه. قال:
فمن بنجوته كمن بعقوته ... والمستكن من يمشي بقرواح
فجعله ها هنا مثلاً لما كان يطلبه من وجه الخلاص من الآفات. وكأن هذا المرثي كان استشعر خوفاً من الموت فأخذ يتنقل في البلاد والبقاع ويتطلب موضعاً يبعده من الآفات، فبقى يتردد في ذلك ويتحير، فإذا الهلاك قد فاجأه من حيث لا يحتسب ولا يرتقب. وإنما نكر من هلاكٍ لأنه جعل كل نوعٍ منه هلاكاً، ولم يدر ماذا يصيبه.
وقوله ليت شعري موضع شعري نصبٌ في معنى علمى. ويقال شعرت شعرةً كما يقال فطنت فطنة، إلا أنه لا يستعمل مع ليت إلا وقد حذف الهاء منه. وقوله أي شيء قتلك الجملة كما هي في موضع نصب، لأنه نابت عن مفعوليه. وخبر ليت مضمر لا نجده إلا كذلك، فهو يشبه خبر المبتدأ بعد لولا إذا قلت لولا زيد لخرجت، لأن لخرجت جواب لولا. وخبر المبتدأ محذوف لا يجيء إلا على ذلك. واستغناء ليت بمعولي شعري عن خبره، كاستغناء المبتدأ بعد لولا بجوابه عن خبره. وضلةً، انتصب على المصدر، والعامل فيه فعل مضمر. وهذا الضلال يجوز أن يكون لنفسه فيما استبهم علها من حال المتوفي، كأنه ضل عن العلم ضلة، ويجوز أن يكون للمتوفي نفسه، كأنه عد غيبته وخفاء أمره ضلالا له، والمعنى: تمنيت أني أعلم أي شيء أهلكك، وهذا لضلالي عن معرفة حالك، وذهابي عن العلم به. وهذا على الأول، وعلى الثاني يكون المعنى: ما الذي قتلك حتى ضللت هذا الضلال.
فإن قيل: خبر ليت كيف يجيء في التقدير وإن لم يظهر في الاستعمال. قلت: تقديره ليت شعري واقعٌ أي شيء قتلك، أي ليتني علمت أو وقع علمي بما يقتضي هذا السؤال، لأن الذي تمناه هو ما كان جوابه لا نفس السؤال.