يريد: إني لغريبٌ بها وقيار أيضاً غريب، وهو اسم فرسه. ويجوز أن يكون لما علم أن المعطوف حكمه حكم المعطوف عليه اكتفى بالإخبار عن أحدهما، ثقةً بأن الثاني علم أنه في حكمه. ومثله:
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي ... بريئاً ومن أجل الطوى رماني
بلى قد وسعت الجود والجود ميت
بلى جواب استفهام مقرونٍ بنفي نحو قولك ألم، أليس، وما أشبههما. وهذا الشاعر لما قال متعجباً من مخاطبة القبر ومنكراً: كيف واريت جوده على كثرته ووفوره، وشموله لأقطار البر البحر، صار بما اعتبر وشاهد من الحال كأن القبر قال له: ألم أسعه، ألم أواره، ألم أتضمنه على ما به؟ فقال مصدقاً له، ومتلهفاً: بلى قد وسعته واشتملت عليه وهو ميت، ولو كان حياً لضقت عنه حتى تنقطع وتنشق، والصدع: الشق في الشيء الصلب. وصدعت الفلاة والنهر قطعتهما.
فتىً عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
ولما مضى معنٌ مضى الجود فانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
قوله فتىً عيش في معروفه موضعه نصبٌ على المدح والاختصاص، والعامل فيه فعلٌ مضمر، كأنه قال: أذكر فتىً هذا صفته. ويجوز أن يكون موضعه رفعاً على الاستئناف أو من أؤبنه فتىً، وقوله " عيش في معروفه بعد موته " يجوز أن يكون أراد من استغنى به وبمعروفه من المتصلين به، والمنقطعين إليه، والراجين له. ويجوز أن يكون أراد من عاش من وقوفه وحبائسه بعده، ويجوز أن يريد أنه علم الناس الجود والكرم، فمن مقتدس به آخذ أخذه، ومستنٍ بسنته سلك مسلكه، فما يفعله هؤلائ صار كأنه هو الفاعل له. ثم شبهه