للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله (هلا زيد الفوارس) إلى آخر البيت، هلا حرف تحضيض وهو يطلب الفعل، وذلك الفعل هو تبكين. يخاطبها، أي هلا تبكين على هؤلاء الجبال التي انهدت، والبحور التي غاضت بزيد الفوارس أو عمرو. ثم دعا عليها فقال: لاأرقأ الله دمعك، أم هلا تبكين على سلفى بني نصر. وإنما ثنى السلف لأنه أراد العمومة والخؤولة.

خلوا على الدهر بعدهم ... فبقيت كالمنصوب للدهر

إن الرزيئة ما أولاك إذا ... هز المخالع أقدح اليسر

أهل الحلوم إذا الحلوم هفت ... والعرف في الأقوام والنكر

يقول: مضوا لسبيلهم، وانتقلوا إلى جوار من هو أملك بهم، وتركوا أعباء الدهر على ظهري، فهي تثقل علي وتعرضني لنوائبه وأحداثه، فأنا كالغرض المنصوب له، ليس لي من يتحمل عني، ولا من يؤازرني أو يشد أزرى. ومعنى (خلوا على الدهر) أي صرت فريسة للدهر، فكأنهم هم الذين أغرزوه بي لما ذهبوا عني وأفردوني. وهذه اللفظة تستعمل في إغراء الجوارح على الصيد.

وقوله (إن الرزيئة ما أولاك) إلى آخر البيت، يريد: المصيبة كل المصيبة هم أولاك إذا اشتد الزمان وأسنت الناس، واحتيج إلى مجامع الآيسار، لإصلاح أمر الفقراء والأيتام، فلم يوجد من يرجع إليه أو يعتمد على إفضاله وتفقده. وقوله (ما أولاك) ماصلة. ومعنى هز أجال. والمخالع: المقامر. والمخالعة: القمار. وقيل إنما سمى مخالعاً لأنه هو المولع باليسر، فهو الذي يخلع مال غيره وينخلع هو أيضاً من ماله، منافسة وحرصاً على الميسر واكتساب الحمد فيه وله. وقوله (إذا هز) هو ظرف لما دل عليه (ما أولاك) .

يريد أن الرزيئة افتقار الناس إلى أولئك في مثل هذا الوقت فلا ينالون. وقوله (أهل الحلوم إذا الحلوم هفت) بصفهم بالرزانة فيقول: إذا دهم من الأمر ما تهفو فيه العقول وتزل فيه الأقدام، فهؤلاء لأصالة آرائهم يثبتون عند المزاولة، ويداوون الأمور بدوائها من غير طيش ولا سفه، ولا تجاوز حد وعنت. وقوله (والعرف في الأقوام) أراد: وهم أهل العرف والنكر في الأقوام. يعنى أنهم ينزلون الأقوام منازلهم من الموالاة والمداجاة، فمن داجى كان له النكر منهم، ومن والى كان له العرف.

<<  <   >  >>