نفسه وعلى قلبه سلامتهم وبقاؤهم، حسن ظن بالواهب، وشدة طمع في الموهوب، فيسكن ولا يهاب. فلما جرى الأمر على خلاف ما ظن زعم أن شر الدهر سبق خيره، فدعا عليه. وقوله (ووجداً بصيفي) يقول: ولحى أيضاً جزعاً تجدد بصيفي بعد معبد. وهذا تبرم منه بما قاسى من الدهر، وكابد من جزع بعد جزع. وفيه اشارة الى معنى قول الآخر:
نوكل بالأدنى وان جل ما يمضى
وقوله (بقية اخواني) يجوز أن يكون المراد به خيار اخواني، كما يقال: فلان من بقية الناس. ويجوز أن يريد به أنه كان في اخوانه وفور ففقد منهم عدةً، وجعل يأنس ببقيتهم، فأتى الدهر عليهم أيضاً. وقوله (فما جزعي أم كيف عنهم تجلدي) كأنه كان لايعتد بالجزع الواقع لهم ومن أجلهم، ليقصوره عن الواجب، ووقوعه دون اللازم، ولا يطمع من نفسه في مسكة يتعلقها، أو سلوة يتكلفها، اذ كان الخطب أعظم، والرزء أملك.
وقوله (فلو أنها احدى يدي رزيتها) جواب لو محذوف، يريد: لو أصبت ببعضهم لسهل ما تعذر أو خف ما ثقل، ولكنهم تجاوبوا للدعوة، وتتابعوا في النقلة، ففدحت المصيبة، وجلت الرزيئة.
وقوله (وآليت آسى بعدهم) يريد: حلفت لا آسى بعدهم في اثر هالك، فحذف لا ولم يخف التباسه بالواجب، اذ كان للواجب صيغة مفردة باللام واحدى النونين الثقيلة أو الخفيفة، وقد مر مثله. والمعنى أن خوفي كان فيهم، واذ أصيب بهم فاني لا أجزع لفائت، فحسبي على الهلاك ما بي حسبي. وقال (قدى) ولو قال: قدني، فأتى بنود العماد ليسلم سكون قد، لجاز. قال الشاعر: