يقول: لما خبر المخبر بموت يزيد تلونت الأرض في عيني فابيضت تارةً واسودت أخرى، لشدة حزني، وانقطع ظهري، وتساقطت قواي، وقوله (تغولت) اشتقاقه من الغول. وهم يعتقدون في هذا القبيل من الجن أنهم يتصورون بما شاءوا من الصور. ويقال: غولتهم الغول وتغولتهم، اذا توهتهم. وانتصب (فرط الحزن) على أنه مفعول له. والكلام تسل من غير الدهر وتأثير المصيبة فيه، حتى انكسر قناة ظهره، واختل ما كان قويماً من أمره.
عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو سكرة دارت بهامته الخمر
العساكر: جمع عسكرة، وهي الشدة. قال:
ظل في عسكرة من حبها
فيقول: غشيت نفسي أنواع البلاء، فزال عقلي لها، حتى صرت كأني سكران دبت الخمر في عقله ودماغه، حتى دارت هامته، وزال تماسكه وقوته. ولك أن تروي:(دارت بهامتي الخمر) لأنه لما كان أخو السكرة نفسه جاز أن يجعل الضمير الراجع اليه ضمير نفسه. وهم يفعلون في الصفات والصلات هذا. على ذلك قوله:
أنا الذي سمتن أمي حيدره
ولم يقل أمه، وان كان وجه الكلام. وان رويت (دارت بهامته الخمر) فهو الصواب المختار.
فتى ان هو استغنى تخرق في الغنى ... وان قل مال لم يضع متنه الفقر
فتى لايعد الرسل يقضي ذمامه ... اذا نزل الأضياف أو تنحر الجزر