وقوله:(نعم الفتى) الممدوح محذوف، كأنه قال نعم الفتى مدرك. قال: وليست هذه الشهادة مني ومن جهتي، ولا من جملة مدحي، على عادة الناس في تأبين الهلاك، ولكنها مما أداه وكثره رفقاؤه في السفر، وجيرانه في الحضر؛ فهي حكاية ألسنتهم، ومؤادة قضيتهم. وقوله (وإذا تصبصب آخر الزواد) معنى تصبصب قرب من النفاد. يريد: ونعم الفتى هو في ذلك الوقت، لأنه يؤثر غيره بالطعم على نفسه. وتلخيص الكلام: نعم الفتى مدرك في المرافقة والمجاورة، وعند نفاد الزاد. والأشهاد: جمع الشهود. واكتفى زعم بالفاعل في اللفظ، لأن مفعوليه دل على الكلام عليهما:
وإذا الركاب تروحت ثم اغتدت ... حتى المقيل فلم تعج لحياد
يريد: ونعم الفتى هو إذا وصلت الركاب السير باسرى، فلم تعطف لا محراف وازورار، ولم تعرج لإصلاح شأن، لكنها استمرت وجدت لما أزعجهم وبعثهم على استدامة التشمير، وتعجيل الحركة وترك التقصير، وطي المنازل، واستقصار المراحل. ومعنى تروحت راحت. والرواح: العشي. وراحت الأبل رواحاً. والإراحة: رد الإبل عشياً من المرعى. يقال: سرحتها بالغداة وأرحتها بالعشى. ومعنى اغتدت حتى المقيل: سارت غدواً إلى وقت القيلولة. أي كان في هذه الحالة يأتي بما يستحق به المدح من أصحابه ورفقائه، لكرم صحابته، وحسن رفاقته. ومعنى (لم تعج) لم تعطف. يقال: عاج عوجا وعياجا. والحياد: الإعراض عن السير للنزول. والفعل منه حاد.
لما رأوهم لم يحسوا مدركاً ... وضعوا أناملهم على الأكباد
وصف وراد فنائه بعد فنائه، وزاور قبره طلباً لحبائه، فيقول: استعجلوا رواخلهم وحضوها على قصده والوصول إلى بابه، ومهازيلها التي قد أثر بعد الشقة فيها فأنضاها، تؤوب إليها إذا نزلت، أي تسير النهار كله حت يتصل سيرها بالليل،