في هذا الكلام تعريضٌ بقومٍ أشار إليهم بقوله: كمن كنتم، وتصريحٌ للمخاطبين، ومجاهرةٌ بالقول، فهو يرميهم بالضعف وأنهم إذا نالوا من العدو شيئاً نالوه سرقةً. فيقول: لسنا كالذين كنتم تنالوهم سرقةً، فنلتزم لكم الضيم، أو ننصب حاكماً يقضي بيننا وبينكم. وأشار بالضيم إلى التغميض على ما يكون من سرقتهم. وكأن القوم الذين أشار إليهم وانتفى من أن يكون حاله كحالهم، كانوا يقابلون سرقتهم وتجاسرهم عليهم إما بالتغميض، وهو التزام الضيم عنده، وإما بالمرافعة إلى الحاكم ونصب المتوسط، والعجز في حكمه. وانتصاب نقبل على أنه جواب النفي بالفاء. ويقولون: في بني فلانٍ سلةٌ، أي سرقةٌ. وانتصاب سلة على أنه مصدرٌ في موضع الحال، والتقدير: تصيبونهم سالين وساقين.
ولكن حكم السيف فيكم متسلطٌ ... فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
يقول: متى عدوتم طوركم، أو خرجتم من حدكم، فإنا نسلط السيف عليكم، ولا نرضى إلا بحكمه فيكم. فمتى رضي رضينا، وفي طريقته قوله:
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا ... بني عمنا لو كان أمراً مدانيا
دل بقوله: لو كان أمرا مدانيا على أنه لم يسؤه ما جنت الحرب بينهم، لأنه وقع بالاستحقاق. ألا ترى أنه قال ساءني ذلك لو كان الأمر المؤدي إليه أمراً مدانياً، وكنا نعرف للاحتمال فيه موضعاً، وللصبر عليه مجالاً ومذهباً. فأما والشان مستفحلٌ، وتعديكم متفاقمٌ، فإنه لا يسوءني. وقوله: لو كان أمراً مدانيا، أراد لو كان الأمر أمراً أمماً لساءني. وإذا كان كذلك فجواب لو متقدم، وتلخيصه: لو كان ما ترددنا فيه قريباً لساءني ما جنته الحرب بيننا، ولكن الآن لم يسوء. وهذا تعظيم لما كان منهم إليهم، وكالاعتذار عن الأخذ بالفضل عليهم، وترك الصفح عنهم.
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ... ظلمنا ولكنا قد أسأنا التقاضيا