يريد أن شيئاً من هذه الأحوال لا يدوم إلا ريث ما يسلط عليه القواطع والمغيرات، فاليسار إذا حصل كالإعسار، في أن واحداً منهما لا يبقي، وغنى النفس كفقرها، ثم انتهاء كل ذلك للحي منا إلى الموت الذي لا غاية وراءه، وليس يتخلص منه بحيلة تنقذ، أو روية تعمل.
وقال آخر:
وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
يقول: أنت رجل إما وثقت بك في شيء يحتاج إلى أداء الأمانة فيه، وقد خلوت معك وأظهرت السكون إليك فخنتني، وإما أستنيم إلى ناحيتك في الخير فكذبت علي، وخبرت بما لا علم لك به، فأنت مما بيني وبينك واقف في محل بين الخيانة فيما ائتمنت فيه. والإثم فيما رجع إليك في الكشف عنه. وقوله (ائتمنتك) هو افتعل من الأمانة، ولك أن تخفف الهمزة وتبدل منها ياء، ولك أن تعوض من الهمزة تاء فتدغمه في التاء التي بعدها فتقول: اتمنتك.
وخالياً انتصب على الحال، وذو الحال يجوز أن يكون الشاعر. والمعنى: جعلتك موضعاً للأمانة وقد خلوت بك لئلا يتجاوزنا السر الذي أودعتك. ويجوز أن يكون حالاً للمخاطب، والمعنى منفرداً.
ويروى أن رجلاً أتى عبيد الله بن زياد فأخبره أن عبد الله بن همام السلولي سبه وأسرف جهاراً، لا حشمة تردعه، ولا رقبة تمنعه. فأرسل عبيد الله إلى ان همام واستحضره ليقابله بالرجل، ويتبين من حضورهما صحة الخبر، فأتاه ابن همام، فلما استقر به المجلس قال عبيد الله: يا ابن همام، إن هذا يزعم أنك قلت كذا وكذا. فأقبل ابن همام على الرجل وخاطبه بقوله:(أنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا) ... البيتين.