للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ماءٍ قالوا هو من البصرة على أميالٍ. ومعنى البيت مفهوم. وقوله غداً لم يشر به إلى اليوم الذي يلي يومه، وإنما دل على تقريب الأمر، فكأنه قال: تلاقوا خيلي قريباً على هذا الماء.

تلاقوا جياداً لا تحيد عن الوغى ... إذا ما غدت في المأزق المتداني

الوغى، أصله الجلبة والصوت، وكذلك الوعى بالعين غير معجمة. قال:

كأن وعى الجموش بجانبيها

وجياد ها هنا: جمع جوادٍ، يقال فرسٌ جواد: عتيقٌ، وخيلٌ جيادٌ: عتاقٌ. وفي غير هذا المكان يكون جمع جيد. وتلاقوا بدل من تلاقوا الأول. نبه بهذا على أن المراد بالخيل الفرسان، على عادتهم في قولهم الخيل والرجل. قال الله تعالى: " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك "، ولهذا قال فيما بعده: تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم. ويجوز أن يكون أراد بالخيل الدواب، ووصفها بأنها لا تجبن عن الوغى، لدوام ممارستها له، وتعودها إياه. ثم خبر في قوله: تلاقوهم عن أربابها، فيقول: ارفقوا تلاقوا فرساناً كراماً لا تمل الحروب ولا تعدل عنها إذا ابتكرت في مضيقٍ منها، تتلاحم فيه الفرسان وتتدانى فيه الأبطال والشجعان. وإنما قال ذلك لأنه مع التداني لا يكون إلا التجالد، وعنده تثكل الأمهات. والمأزق: المضيق، وكان أصله من الأزق في الحرب، فهو مفعلٌ منه.

تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم ... على ما جنت فيهم يد الحدثان

قوله على ما جنت يريد على جنايةٍ. وموضعه نصبٌ على الحال، والعامل فيه عرفوا. أو تلاقوا. يقول: تلاقوا من بلائهم ما يستدل به على حسن صبرهم وثباتهم في جلادهم، هذا مع تحامل الزمان عليهم، وسوء تأثير الدهر فيهم. وأصل الصبر: الحبس، ومنه قتل فلانٌ صبراً. وحدث الدهر وأحداثه وحدثانه وحوادثه: نوازله.

<<  <   >  >>