(أسديه وألحمه) خبران لف أحدهما بالآخر. فقوله (تقوى الإله) يرجع إلى أسديه، و (ما لم يرع من رحمي) رجع إلى ألحمه. والمعنى: داويت صدره أي مكنون صدره، وقلمت ظفره باستعمال الحزم والخير معه، ثم جعلت تقوى الله تعالى سدى ما بيني وبينه، وألحمته رعاية ما ضيعه من الرحم، فلا جرم أنه كف من شأو شره وغرب عداوته، وأقبل في الظاهر يعادي من يعاديني، فقوسه الآن موترة دوني يرمي منها أعدائي بأسهم النصرة. مجاهرةً لا مكاتمةً.
إن من الحلم ذلاً أنت عارفه ... والحلم عن قدرة فضل من الكرم
نبه بهذا الكلام على أن تحلمه عن أدانيه كان عن قدرة لا عن عجز ونقيصة، ولو شاء لانتقم منهم. وأنه لم يكسبه إمساكه عن مجاذبتهم ذلاً، ولو كان يفضي به الحال إلى ذلك لما فعل، فتحلمه كرم، وإبقاؤه على ما يجمعه وإياهم من قربي وقرابة تقي وتفضل. وقوله (فضل من الكرم) يريد أنه نوع من الفضل يعد في خصال الكرم. ومثل هذا قول الآخر:
جهول إذا أزرى التحلم بالفتى ... حليم إذا أزرى بذي الحسب الجهل
وقال بعضهم:
وأعرض عن مطاعم قد أراها ... فأتركها وفي بطني انطواء
فلا وأبيك ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يماثل هذا قول الآخر:
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المطعم
قوله (وأظلله) يريد أظل عليه، فحذف حرف الجر، كما قال: