للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعدد في هذه الأبيات عاداته في حالتي الغنى والفقر، فقال: إني أنال الغنى فلا يكسبني أشراً ولا بطراً، لكني أشكر الواهب وأبقى على حالتي الأول، بل يقربني ما أناله من المتصلين بي، والمضمين إلى بسبب من الأسباب، فأعرض ما يتيسر لي عن طلاب قرضي، وأشرك من يمت إلى في الخير المتاح. وقد يتعقب الإيسار إعسار في الوقت بعد الوقت، فأصبر وإن اشتد عسري، وأسبل على نفسي جناح تحملي وتعففي حتى أدرك ميسور الغنى ونفسي معي، لم أبتذلها ولم أدنسها بتعريض أو تصريح لمفضل أطلب بهما عنده مطمعاً، وأجتلب مرغبا. وقوله: (وما نالها) يريد وما نال تلك العسرة أخ لي يوثق بوده لا بعارية ولا بعطية، إلى أن انكشف وفارقت.

وقوله: (أبطر الغنى) معناه أبطر في الغنى حتى أذهب عن سنن الشكر فأتجاوزه وأخلفه ورائي، غمطاً للنعمة، أو جهلاً بحق الصنيعة. وقال الله تعالى: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها. وقوله (أعرض ميسوري) وضعه بلفظ المفعول للمصدر، يريد اليسر. ومثله ماله معقول. وضده حمل عليه وهو العسر، فقيل معسور. وإنما قال (ومعي عرضي) لأنه إذا صانهعن القبائح ولم يسلط عليه من يتملكه بهبة أو صلة، فكأنه معه لم يفارقه. ولو أجراه على غير هذا لكان مفارقاً له، وداخلاً في ملكه غيره.

ولكنه سيب الإله ورحلتي ... وشدى حيازيم المطية بالغرض

الهاء من قوله (ولكنه) يعود إلى الميسور الغنى. واستدراك النفي من قوله (ما نالها حتى تجلت) بقوله لكن، يريد: لكن الغنى المتجدد، وهو عطية الله تبارك وتعالى، وتقلبي وارتحالي، وشدى حيازيم المطايا بالغروض. كأنه ذكر الأسباب التي يسرت له الغنى، وأنها لم تخرج من تفضل الله تعالى واجتهاده. وقوله (المطية) أراد بها الجنس، لذلك قال (حيازيم) وجمعها. والسبب: العطاء والمعروف، وكثر في الاستعمال حتى سمى الكنوز سيوباً، وقيل لكا تخرجه المعادن سيوب. والغرض والغرضة: البطان، وهو للبعير بمنزلةالحزام للدابة. والمعرض منه كالمحزم.

وأستنقذ المولى من الأمر بعدما ... يزل كما زل البعير عن الدحض

وأمنحه مالي وودي ونصرتي ... وإن كان محي الضلوع على بغضي

<<  <   >  >>