للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا ما روى لنا. وقد ذكر الراعي في موضع آخر فقال:

وكأن ريضها إذا ياسرتها ... كانت معاودة الرحيل ذلولا

وحكى لي أن سعيد بن سلم الباهلي، قال: قرأنا هذه القصيدة على الأصمعي من شعر الراعي، فلما انتهينا رواه:

وكأن ريضها إذا باشرتها

فقلت: ما معنى (باشرتها) ؟ قال: ركبتها، من المباشرة. فسألنا ذلك أبا عبيدة عنه، فقال: صحف والله، إنما هو (إذا ياسرتها) أي لم أعازها ولم أقتسرها. ومثله قوله.

إذا يوسرت كانت وقوراً أديبة ... وتحسبها إن عوسرت لم تؤدب

يباري بها القود النوافخ في البري ... قليل النزول أغيد الخلق عاطله

مراجع نجد بعد فرك وبغضة ... مطلق بصرى أصمع القلب جافله

يقول: يعارض بهذه الرالة التي وصفتها رواحل طوال الأعناق، تنفخ في براها لنشاطها، رجل قليل النزول عنها، ناعم الخلق عاطله، يعني نفسه، أي أنه يجد في السير ويديمه. وقوله: (مراجع نجد) أي أنه بعد أن فارق نجداً وأبغضه لخلوه من حبيبه يريد أن يراجعه وينتقل عن بصري - وهي قرية بالشأم تطبع فيها السيوف البصرية - ويخليها. ومعنى أصمع القلب: حديده. جافله، أي مسرعه. ويقال: أجفل الظليم وجفل، إذا نشر جناحيه ومر يعدو، وكل هارب من شيء فقد أجفل عنه. والظليم مجفل وجافل جميعاً. وذكر الرماجعة والتطليق، واستعارة للانتقال والتخلية. وقد فعل أبو تمام مثل هذا فقال:

فبها وطلقت السور ثلاثاً

إلا أن ماقاله هذا الشاعر أحسن، حين زاوج التطليق بالمراجعة. وقوله (نوافخ في البري) النوافخ: المتنفسات نفخاً لنشاطها. والبري: الحلق التي في

<<  <   >  >>