صددت كما صد الرمى تطاولت ... به مدة الأيام وهو قتيل
قال سيبويه: معنى سوى بدل ومكان تقول. عندي رجل سوى زيد، معناه ومكان زيد وبدل زيد، وعلى ما فسره يكون معنى البيت: ولما بدا لي ميلك مع الأعداء بدل ميلكك إلى ومكان ميلك، ولم يحدث لي بديل مكانك وعوضاً منك أعرضت عنك إعراض المرمى من الصيد المصاب بسهم الصياد، وهو قتيله، لأن الإصابة عملت عملها، لكن المدة تطاولت به، فهو رهين بإصابته. يريد: صددت عنك صدود يأس لا صدود مقلبة، وأنا أعلم أن هواك قاتلي كهذا المرمى الذي لا يشك في كونه قتيلاً وإن طال نفس مهلته، ومد من أمد منيته.
وقال آخر:
أحبا على حب وأنت بخيلة ... وقد زعموا أن لا يحب بخيل
بلى والذي حج الملبونيته ... ويشفي الهوى بالنيل وهو قليل
وإن بنا لو تعلمين لغلة ... إلي كما بالحائمات غليل
الألف من قولهأحبا لفظه الإستفهام ومعناه التوبيخ. وانتصب حبا باضمار فعل، كأنه قال: أتجمعين على حبا على حب، أو أتزيدينني حبا بعد حب، مع بخلك وإيثار زهدك، وعند الناس وفي أحكامهم واعتقادهم أن البخيل لا يكون محبوباً. كأنه عاتبها وقرعها من أمر الذي بينهما، وأنهما من أجله في طرفي نقيض، وفي لون من العشق طريف، وذلك أن معاملتها له معاملة من لا ينتدى عليه ولا يرحمه، ولا يتسخى بشيء له، وأن جذبها إياه في الهوى جذب من لا يكتفي معه بعفوه حتى يجهده ويزيده وجداً على وجد، وألما بعد ألم. قال: هذا حالي معك، وفي زعمات الناس أن القلوب جبلت على حب المحسنين الباذلين، لا المسيئين الباخلين، ثم استدرك فقال: بلى والله المحجوج بيته، المعظم حرمه، المداوي من داء الهوى باليسير الخفيف من النيل، إن البخيل ليحب. ودل على المقسم له بقوله: وإن بنا لو تعلمين لغلة، وهي حرارة العطش، كما يكون غلة الحائمات، وهي الطيور التي تحوم على الماء وتدور من شدة العطش ثم تقع عليه، وقد تكون العطاش أنفسها. وقوله: وأنت بخيلة، الواو واو الحال. وقوله ألا يحب إن شئت جعلت أن الناصبة للفعل فنصبت يحب به، وإن شئت جعلته المخففة من الثقيلة فيرتفع يحب، يريد أنه لا يحب. ثم قال: بلى، وهو جواب استفهام مقرون بنفي. على ذلك قول