للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على هذا الرجل خيلاً لا تخلو يوماً من اختلاس نفوسٍ، وانتهاب آجال. وسمى الخيل غارةً لما كانت من قبلها تكون. وموضع لم تخل يوماً نصب على الصفة للغارة، أي خيلاً جرت عادتها بذلك. والنهاب يجوز أن يكون مصدر ناهبته ويستعمل في المغاورة والمماراة، ويجوز أن يكون جمع النهب. وجواب إن لم أشن فيما تقدم.

خيلاً كأمثال السعالي شزباً ... تعدو ببيضٍ في الكريهة شوس

الشزب: الضمر. والشوس: جمع أشوس. ويقال شاس يشوس وشوس يشوس، إذا عرف في نظره الغضب أو الكبر. وانتصب خيلاً على أنه بدلٌ من غارةً. وشبه الخيل في ضمرها وسرعة نفاذها بالجن. وانتصب شزباً على أنه صفةٌ للخيل، لأن قوله كأمثال، أيضاً صفة. ويجوز أن يكون حالاً للمضمر في كأمثال السعالي. والمعنى: خيلاً تشابه السعالي في حال شزوبها وضمرها. وقوله: تعدو ببيضٍ أيضاً صفةٌ، إما لقوله شزباً، وإما للأول تعدو برجالٍ كرام، متكبرين في الحرب، ذوي أنفةٍ. وإذا جمع بين مفرداتٍ وجملٍ في الوصف، فالترتيب المختار تقديم المفردات على الجمل، وقد جاء البيت على ذلك، والعرب تجعل البياض كنايةً عن الكرم، كأنها تريد نقاء العرض. على ذلك قوله:

أمك بيضاء من قضاعة ...

وكما فعلوا هذا جعلوا الغر كنايةً عن الكرام، وربما قالوا غرانٌ. أما قولهم: بيض الوجوه فالمراد أنهم لم يفعلوا شيئاً يشينهم فيغير لونهم عند ذكره. وقد قالوا في ضده: أوجههم كالحمم، وسود الوجوه. وأما الشوس فكما وصف به الرجال وصف به الخيل أيضاً، والمراد به عزة النفس. وقوله في الكريهة للحوق الهاء بها ألحق بباب الأسماء، ويستعمل في نوازل الدهر وشدائد الأمر. وهو ظرفٌ إن شئت لما دل عليه قوله بيضٌ من الكرم، وإن شئت لقوله شوسٌ. والكرم في الكرائه: نزاهة النفس عن لوازم العار.

حمى الحديد عليهم فكأنه ... ومضان برقٍ أو شعاع شموس

<<  <   >  >>