وقوله " وإن ذياد الحب عنك "، يريد أن دفاع حبه عنها وصرفه عسر صعب وقد بدت آيات الهوى. والمعنى أن للهوى علامات حيث مالت بالإنسان ذهب معها، فيعد الغي رشداً، ويرى التهالك فيه حياةً، ولورام دفع حبه عنه، ولي نفسه دونه، لتعذر وامتنع.
وما كل ما في النفس للناس مظهر ... ولاكل مالا تستطيع تذود
يقول: ليس جميع ما يشتمل عليه صدري، ويشقى في الهوى بتحمله جوانحي، ممكناً إظهاره؛ ولا كل ما تطيقه النفس، أو لاتنهض به، يسهل دفعه؛ فأنا أسير الهوى وتبيعه، متردد في بلواه، لاأجد منه مخلصاً، ولا استطيع عنه ملجأً ومناصاً.
وقوله " وإني لأرجو الوصل منك " يقول: وعلى ما أصفه من حالي فيك أرجو وصالك رجاء إنسان شديد العطش، يطلب الماء من موضع حفره فأكدى، أي بلغ كديته، وهي حجر يعرض في البئر عند الاحتفار فيمتنع قطعه بالمعاول، وجمعها كدي. وهذا مثل، والمعنى أن رجائي في خيرك مع حاجتي رجاء رجل عطشان يطلب الماء ويرجوه من بئر هكذا. والصلود: اليابس، ويقال للبخيل: أصلد وصلد وصلود، تشبيهاً به، وكذلك زند صلود إذا لم يور. والمرتاد: الطالب، ومفعوله محذوف، ويجوز أن يعنى بالمرتاد المطلوب، ويراد به الماء، وقد أقام الصفة مقام الموصوف، وعلى الوجه الأول ينتصب على الحال.
وكيف طلابي وصل من لو سألته ... قذى العين لم يطلب وذاك زهيد
ومن لو رأى نفسي تسيل لقال لي ... أراك صحيحاً والفؤاد جليد
يصف بخلها وتمنعهافيقول: كيف أستجيز طلب وصال إنسان لو سألته إزالة قذى العين لم يجبني إليه، وذاك قليل فيما يسأل ويلتمس. فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، كما قال الآخر:
يا صخر وراد ماء قد تناذره ... أهل الموارد ما في ورده عار