الصلة يعود إليه لكونه حرفاً، ويكون التقدير وشايتك وقولك. ويعني ببيتيك: أخواله وأعمامه. فيقول: فرق عن بيتي أهلك وذويك من قبل أبيك وأمك ما تأتيه من إبلاغات تتقولها، ونمائم تختلقها وتصنفها: سعد بن مالك وعمراً وعوفاً؛ وإنما يعني بهم أفخاذاً وبطوناً كان ضلعهم معهم، فلم يزل يسعى بالتحريش، ويمشي بالنميم، حتى فرق جمعهم، بما أوقع من الشر فيهم. وقوله وأنت على الأدنى شمال عرية، فالعرية: الباردة، ومنه قولهم: عرواء الحمى. فيقول: أنت على أقاربك في سوء اعتقادك لهم، وسوقك الشر إليهم، وجرك الجرائر عليهم، بمنزلة الريح الشمال الباردة، المرقة للوجوه، إذا هبت في الشتاء، ويصحبها بلل من المطر، وندى يقبض الجلد، ويجفف المفصل والوجه. وإنما قال شآمية، وإن كان الشمال لا تهب إلا من ناحية الشأم تأكيداً. وللصفات كما تجيء مفيدة مميزة تجيء أيضاً مؤكدة لا تفيد في الموصوف أكثر مما عرف فيه. وعلى هذا قد تجيء الأحوال أيضاً، لكونها صفات في الأصل.
وقوله وأنت على الأقصى صبا غير قرة يريد أنه على الأجانب في تعطفه عليهم، والانطواء على الجميل لهم، بمنزلة ريح الصبا تهب ولا برد معها. وقد تذاءب منها، أي تسهل واضطراب من اجلها. والذئب فيمن همزه منه اشتق، لأنه كلما طرد من جانب يتسهل ويحصل من جانب آخر، لوقاحته. والمرزغ: الذي يأتي بالرزغة، وهي الوحل. والمسيل: المذيب للجامد. والمعنى: أنت للأجانب بمنزلة القبول التي ترزغ الأرض في مهلبها، وتسيل التلاع، وتبث الخير، وتوسع الخصب. وقوله وأعلم علماً ليس بالظن لما كان لفظة العلم قد يطلق على الظن الغالب، ليقامه مقام ماهو علم في الحقيقة، أكد قوله وأعلم بقوله ليس بالظن، وبين بهذا الكلام الخطأ فيما يأتيه المخاطب، وأنه إذا أقامت نفسه حظه من أقاربه وعشائره بسوء معاملته، فإنه لا يستفيد من الأجانب ما عند الحاجة يغنى، وإذا ذل أتباعه ولم يستبقهم لنفسه فالذل لاحق له، ومحتف به. وبهذا الخطاب نعى عليه فعله، وبين له سوء التقدير فيما اختاره، وفعل الغواية فيما اعتقده واعتاده. والضمير من قوله إنه للأمر والشأن، كأنه قال: وإن الأمر الحق إذا ذل ابن عم المرء فهو ذليل.