للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين في إرضائهم زادت الأتراك عصبية وشرا، ثم لما بلغ جلال الدين نهوض عدو الله إليه في معظم جيوشه وقد فارقه الأمراء وقع في قلبه الخوف حيث علم أنه لا طاقة له بهم، فرأى أن يتأخر إلى حافة ماء السند، ثم يكاتب لهؤلاء المفارقين له، فإن أجابوا، يلتقى جنكيزخان [بهم مبكرًا] (١) فعاجله جنكيزخان، وكان جلال الدين قد ثاربه قولنج شديد عند خروجه من غزنة، ولم يرمع ذلك الجلوس في المحفة، وكان يركب الفرس تجلدًا على ما به من الألم إلى أن من الله عليه بالعافية [٤٢٩] وقد ورد الخبر في أثناء هذه الحالة أن مقدمة جنكيزخان قد نزلت بجردير (٢)، فركب جلال الدين وكبسهم وقتل منهم جمعا كثيرا، ولم يفلت منهم إلا القليل، ولما بلغ جنكيزخان ذلك هاله، ثم رجع جلال الدين إلى مخيمه بحافة ماء السند، وضاق الوقت عما كان يأمله في جمع المراكب، ورجوع الأمراء الذين كانوا فارقوه، ووصل مركب واحد فأمر بتعبير والدته وحرمه، فانكسر المركب، وتعذر العبور، ووصل جنكيزخان، {وَإِذَا (٣) أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (٤).

[ذكر المصاف بين جلال الدين وجنكيزخان على حافة ماء السند]

وكان مع جلال الدين مقدار ثلاثين ألف راكب، ومع جنكيزخان مقدار مائة ألف، ثم تصافوا نهار الأربعاء لثمان خلون من هذه السنة (٥). فلما تلاقي الفريقان حمل جلال الدين بنفسه على قلب عسكر جنكيزخان، وولي جنكيزخان بنفسه هزيما، وكادت الدائرة تدور على الكفار، وكان جنكيزخان قد أفرد الكمين عشرة آلاف نفس من الفرسان الأبطال، فخرجوا على ميمنة جلال الدين، فكسروها وقلبوها على القلب فتبدّد نظامه، ونزعت من الثبات أقدامه، وانجلت المعركة عن قتلى مطروحين، ورجع جنكيزخان على جلال الدين وحشرهم إلى ماء السند، وكان الرجل منهم يأتي النهر فيهوى بنفسه في تياره مع علمه بأنه غريق، وليس له إلى الخلاص طريق، وأسر ولد جلال الدين وعمره


(١) ما بين حاصرتين إضافة من سيرة جلال الدين منكبرتي لاستقامة المعنى، ص ١٥٧.
(٢) جردان: بلدة بين غزنة وكابل. انظر: معجم البلدان، ج ٢، ص ٥٦، وقد كتبت في الأصل جردير؛ سيرة منكبرتي، ص ٤١٨.
(٣) سورة الرعد، آية (١١).
(٤) لمعرفة المزيد عن هذه الأحداث. انظر: سيرة جلال الدين منكبرتي، ص ١٥٤ - ص ١٥٧.
(٥) المقصود أن الحدث تم في سنة ثماني عشرة وستمائة.
انظر: سيرة جلال الدين منكبرتي، ص ١٥٨. مع أن العيني ذكرها في سنة ٦١٩ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>