للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سار العسكر في أواخر ليلة الأربعاء عاشر جمادى الأولى، إلى تل العياضية قبالة العدوّ، وضربت له خيمة لطيفة، وأمر الناس أن ينزلوا على التل حوله على العادة في منازلهم العام الماضى، لكن جرائد، مع بقاء الثقل على الخروبة، ونازل العدوّ في ذلك اليوم مُجمعين على القتال الشديد على البلد من جميع جوانبه، والسلطان يدور بين الأطلاب ويحثهم على الجهاد ويرغبهم فيه.

ولما رأى العدوّ تلك المنازلة خافوا من الهجوم على خيمهم، فتراجعوا عن الزحف، واشتغلوا بحفظ الخنادق، وحراسة الخيام. ولما رأى السلطان فتورهم عن الزحف، عاد إلى خيمته في تل العياضية، ورتب على خنادقهم من يخبر بحالهم ساعة فساعة. ثم أنهم بالغوا في مضايقة البلد، ومبالغتهم في طم خندقه بالأتربة وغير ذلك، حتى بموتى دوابهم، ونصبوا المجانيق والدبابات والسلالم، وجُلَّ همتهم في طم خندق البلد، ألقوا فيه كل شيء حتى آل أمرهم أنهم كانوا يلقون فيه موتاهم، وكان إذا جرح منهم واحد جراحة مثخنة مؤيسة ألقوه فيه.

وأما أهل البلد فإنهم انقسموا أقساماً؛ قسم ينزلون إلى الخندق ويقطِّعون الموتى والدواب التى يلقونها فيه [قطعاً، ليسهل نقلها] (١)، وقسم ينقلون ما يقطعون إلى البحر ويلقونه فيه، وقسم يَذُبُّون عنهم ويدافعون حتى يتمكنوا من ذلك، وقسم في المنجنيقات وحراسة الأسوار، ومع هذا يداخلهم التعب والنصب، وتكاثرت شكايتهم من ذلك، وقد ابتلوا ببلية لم يبل بمثلها أحد. هذا والسلطان -رحمه الله - لا يقطع الزحف عنهم، والمضايقة على خنادقهم بنفسه وخواصه وأولاده ليلاً ونهاراً، فحصلت هذه الأمور الشديدة ليلاً ونهاراً إلى أن وصل ملك الإنكتار (٢).

[ذكر وصول ملك الإنكتار]

وقد وصل هذا اللعين يوم السبت الثالث عشر من جمادى الأولى، بعد مصالحته لصاحب قبرس كما ذكرنا. وكان في جمع عظيم في خمسة وعشرين شينيا، مملوءة بالرجال والسلاح والعدو، وأظهر الإفرنج بقدومه سروراً عظيماً وفرحوا فرحاً شديدًا، حتى


(١) ما بين الحاصرتين مثبت من الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٤ لتوضيح المعنى.
(٢) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٥٩ - ١٦١؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>