للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل فيما وقع من الحوادث في السنة السادسة والثمانين بعد الخمسمائة

استهلت هذه السنة والخليفة هو الناصر لدين الله، السلطان صلاح الدين مقيم بعسكره بمنزلة الخروبة، وكل من الملك العادل والملك الأفضل والملك المظفر في خيمته المضروبة، وعكا محصورة، وجموع الفرنج على (١) حصارها محشورة، وهلك من الفرنج المحاصرين في الوقائع خلق كثير لأن القتال لم ينقطع والتواقع لم يرتفع.

ذكر وقعة الرمل (٢)

كان السلطان صلاح الدين -رحمه الله- يركب أحيانا للصيد، ولكن لا يبعد من المخيّم، وركب يوما في صفر على عادته، فتصيد وطال له الصيد فأبعد. واليزك على الرمل وساحل البحر من الميسرة، على حذرهم واحتياطهم، فإذا الفرنج خرجوا في عدد لا يحصى وقت العصر، فتسامع المسلمون بهم فزحفوا إليهم، وحملوا عليهم، وطردوهم إلى خيامهم من خلفهم وأمامهم. ولم يزل بينهم حملة وردة ورمية حتى فنى النشاب، فلما علم الفرنج بذلك حملوا حملة واحدة ردوا بها المسلمين إلى النهر، فثبت من العادلية [٨٠] في وجوه القوم صف مرصوص البنيان، فوقع بينهم قتال عظيم، واستشهد جماعة من الشجعان، وذلك لأنهم ردّوا الفرنج إليهم فلقوا فرسانا، وصرعوا شجعانا (٣) "، ونزلوا واشتغلوا بالغنيمة، فحملت الفرنج عليهم حملة منكرة فأشغفتهم عن الوثوب والانتهاض، وأظلم الليل، وافترق الفريقان عن قتلى، وكان ممن استشهد من المسلمين الحاجب أيدغمش المجدي -رحمه الله- ومملوك للسلطان كان يدعي أرغش وكان خيرًا صالحًا. ومن عجائب هذه الوقعة أن مملوكًا للسلطان يسمي سراسنقر كان من الأبطال المشهورين، عثر به جواده فصار راجلًا، فقبض عليه من أسرة وسحبه من شعره، وجاء آخر وسَلَّ سيفه عليه ليضربه، فضرب يد قابض شعره فسيّبه. واشتدّ يعدو وهم يعدون وراءه ليقتلوه، وفاتهم بعون الله تعالى (٤).


(١) "الى" في الفتح القسي، ص ٣٥٦.
(٢) عن وقعة الرملة انظر: الفتح القسى، ص ٣٥٧ - ٣٥٨؛ النوادر السلطانية، ص ١١٦؛ الكامل، جـ ١٠، ص ١٩١؛ ابن واصل: مفرج الكروب، ج ٢، ص ٣١١ - ٣١٢؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٥١ - ١٥٢.
(٣) "قلعوا فرسانا وصرعوا أقرانا" في الفتح القسى، ص ٣٥٧؛ الروضتين، ج ٢، ص ١٥٢.
(٤) ينقل العيني هذه الحادثة بتصرف عن الفتح القسى، ص ٣٥٧ - ٣٥٨؛ النوادر، ص ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>