للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحروب والقتال، وقد أحدث (١) أشياء كثيرة من آلات الحرب، لم تخطر ببال أحد، منها أنه نصب دبابات أمثال الجبال تسير بعجل، ولها زلوم من حديد ينطح السور، فيكسر ويلثم جوانبه، فمنَّ الله العظيم بإحراقها وإتلافها وأراح الله المسلمين من (١) شرها.

[ذكر مسير العساكر إلى أطراف البلاد التي في طريق ملك الألمان]

لما تحقق السلطان صلاح الدين -رحمه الله- وصول ملك الألمان إلى بلاد لافون -ملك الأرمن- وقربه من البلاد الإسلامية، جمع أمراء دولته وأرباب الآراء، وشاورهم في ماذا يصنع، فاتفق الرأي على أن بعض العسكر يسير إلى البلاد المتاخمة لطريق عسكر العدو الواصل، وأن يقيم هو -رحمه الله- على منازلة العدو باقي العسكر المنصور. فكان أول من سار صاحب منبج، وهو ناصر الدين بن تقي الدين، ثم عز الدين بن المقدم، صاحب كفرطاب وبعرين وغيرهما، ثم مجد الدين صاحب بعلبك، ثم سابق الدين صاحب شيزر، ثم اليَارُوقية من جملة عسكر حلب، ثم عسكر حماة، وسار ولده الملك الأفضل إلى دمشق لمرض عرض له، ثم بدر الدين شحنة دمشق لمرض عرض له أيضًا، وسار بعد ذلك ولده الملك الظاهر إلى حلب لحفظ الطرق وكشف الأخبار، وسار بعد ذلك الملك المظفر لحفظ ما يليه من البلاد (٢)، وكان آخر من سافر ليلة السبت [التاسع] (٣) من جمادى الأخرى من سنة ست وثمانين وخمسمائة.

ولما سارت هذه العساكر خفَّتْ ميمنة السلطان، فإن معظم من سار كانوا منها. فأمر السلطان أخاه الملك العادل أن ينتقل إلى منزلة تقي الدين في طرف الميمنة، وكان عماد الدين زنكي في طرف [الميسرة] (٤)، ووقع في العسكر مرض عظيم، فمرض مظفر الدين ابن زين الدين صاحب حران وشفي، ومرض بعده الملك الظافر ولد السلطان وشفي، ومرض خلق كثير من الأكابر وغيرهم، [٨٨] إلا أن المرض كان سليمًا بحمد الله، وكان


(١) البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٥٨.
(٢) النوادر السلطانية، ص ١٢٦، الروضتين، جـ ٢، ص ١٥٧.
(٣) "التاسع عشر" كذا في الأصل، والمثبت من الفتح القسى، ص ٣٩٤؛ النوادر السلطانية، ص ١٢٦ - ص ١٢٧.
(٤) "الميمنة" كذا في الأصل. والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٢٧؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٥٧؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>