للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل فيما وقع من الحوادث في السنة الثالثة والعشرين بعد الستمائة (*)

استهلت هذه السنة والخليفة هو الظاهر بأمر الله، ولكنه مات في هذه السنة [٢٧] ولم ينتفع بخلافته.

[ذكر وفاة الظاهر]

هو أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله، أبو نصر محمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله، أبى العباس أحمد، وليس في الخلفاء من يكنى أبا نصر غيره، وأمه أم ولد يدعى الطُنْ، بويع له يوم الأحد سلخ رمضان من السنة الماضية، وتوفى يوم الجمعة الثانى عشر من رجب من هذه السنة، وكانت مدة خلافته تسعة أشهر وأربعة عشر يوما، ولا يعلم أنه ولى من بنى العباس أقصر مدة منه، كما أنه لم يل منهم أطول مدة من أبيه. وكان إماما عادلا متواضعا محسنا إلى الرعية جدا، وكان من أجود بنى العباس سيرة، وأحسنهم سريرة، وأكثرهم عطاء، وأحسنهم منظراً ورواء، ولو طالت مدته لصلحت الأمة صلاحاً كثيراً على يديه، ولكن الله أحب تقريبه وإزلافه لديه، فاختار له ما عنده، وأجزل له إحسانه ورفده، وقد ذكرنا ما اعتمده في أول ولايته من إطلاق الأموال الديوانية، ورد المظالم، وإسقاط المكوس، وتخفيف الخراج عن الناس، وأداء الديون عمن عجز عن قضائها، والإحسان إلى العلماء والفقراء، وتولية ذوى الديانة والأمانة، وكان قبل وفاته قد أخرج توقيعا إلى الوزير بخطه ليقرأه على أرباب الدولة، وقال الرسول: أمير المؤمنين يقول: ليس غرضنا أن يقال: برز مرسوم أو نفذ مثال ولا يبين له أثر، بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال. ثم قُرِئ عليهم التوقيع ونسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالا، ولا إغضاؤنا إغفالا، ولكن "لنبلوكم أيكم أحسن عملًا" (١)، وقد غفرنا لكم ما قد سلف من خراب البلاد، وتشريد الرعايا، وتقبيح السمعة، وإظهار الباطل الجلىّ في صورة الحق الخفى، حيلة ومكيدة، وتسمية الاستيصال والاجتياح استيفاء واستدراكا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن


(*) يوافق أوله:٢ يناير ١٢٢٦ م.
(١) اقتباس من القرآن الكريم، سورة الملك، آية (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>