للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ماجريات جنكيز خان اللعين]

لما انبسطت يده واشتد ساعده وعضده، وخلت البلاد قدامه، واتسعت الأقاليم أمامه، فرق أولاده إلى الآفاق ليملكوا ما تيسر لهم امتلاكه، ويهلكوا من الأمم من يمكنهم إهلاكه، وكان له من الأولاد: أوكديه خان، وجقطاي خان، ودوشي خان، وطولي خان، فأول من توجه منهم إلى البلاد الشمالية باطوخان بن دوشي خان، ويسمى صائن خان ومُغلي وبُوري قدان ومن معهم، ولما دخلوا تلك البلاد استولوا على من كان بها من طوائف الأتراك وقبائل القفجاق والعلان والآص والأولاق والجركس والروس وساكني تلك الآفاق، وتمكنوا منهم قتلا وسبيا وأسرا ونهبا، وجلبت سبايا هذه الأجناس إلى البلاد الشامية والمصرية، فمنهم المماليك العادلية والكاملية والأشرفية والمعظمية والناصرية والعزيزية، وحسنت آثارهم في الممالك الإسلامية.

وكان جنكيزخان قد جرد إلى خراسان صهره تفجار نوين (١) وأميرًا من قواده اسمه يزكانون في عشرة آلاف فارس لنهب نسا وإحراقها، فوصلت طائفة منهم إلى نسا مقدمهم أمير يعرف ببيك كوش، فخرج الناس إليهم مقابلين فوقعت نشابة في صدر بيك. كوش فخر ميتا، فنقموا بذلك على أهل نسا، وقدّموا حصارها على حصار سائر البلاد بخراسان، فساقوا إليها من الرجالة التي جمعت من أطراف خراسان، وحوصرت قلعتها خمسة عشر يوما لم يفتروا عن القتال ليلا ولا نهارا، ونصب عليها عشرون منجنيقا تخدمها الرجالة المجتمعة، وكانوا يسوقون الأساري تحت الحركات (٢) وهي بيوت على وضع الجملون اتخذت من الخشب ولبست بالجلود، وإن لم يوصلوها إلى السور ضربت رقابهم، فكان هذا دأبهم إلى أن ثلموا فيها ثلمة لا تنسد، ثم لبس التتار بأجمعهم لأمة حربهم وزحفوا عليها ليلا، فملكوا السور وانتشروا عليه، والناس في بيوتهم إلى أن أضاء النهار، فنزلوا إليهم من السور، فساقوهم إلى فضاء وراء البساتين كأنهم قطيع غنم ثم


(١) تفجار نوين، لفظ نوين معناه أمير أو سيد أو قائد، ولعل المقصود بتفجار نوين القائد Togatcher .
انظر: سيرة منكبرتي، ص ١١٣، حاشية (٤).
(٢) الحركات: لعل المقصود بها الدبابات جمع دبابة وكانت أشبه ما تكون بالبرج المتحرك له أحيانا أربعة أدوار، أولها من الخشب، وثانيها من الرصاص، وثالثها من الحديد، ورابعها من النحاس الأصفر، ويتحرك هذا البرج الهائل على عجلات، وتصعد إلى طبقاته الجنود لمهاجمة الحصون وتسلق الأسوار وتتصل بكل دبابة آلة تسمى كبش، لها رأس ضخم وقرنان ندفعها الجنود نحو الأسوار لتهديمها.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ١١٤، حاشية (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>