للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكموه فيها، فلما أرسلوا النفط على برج الذُبّان انعكس الأمر عليهم -بقدرة الرحمن- وذلك لشدة الهواء تلك الليلة، فما تعدت النار بطستهم، فاحترقت، وتعدى الحريق إلى الأخرى، فغرقت، ووصل إلى بُطسة المقاتلة، فتلفت وهلكت بمن فيها، فأشبهوا بمن سلف من الكفار (١). كما قال تعالى {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} (٢).

ذكرُ قصة عيسى العوَّام رحمه الله

وكان عوام قيم في العوم، يقال له عيسى، وكان يدخل إلى عكا بالكتب والنفقات على وسطه ليلا، على غرةٍ من الإفرنج، وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شدّ على وسطه ثلاثة أكياس، فيها ألف دينار وكُتب مشمعة للعسكر، فنزل في البحر، فجرى عليه أمر أهلكه، وأبطأ خبره عن المسلمين، وذلك لأن عادته أنه إذا دخل البلد أرسلوا طيرا يُعرف بوصوله، فلم يجئ الطير فتحققوا أنه هلك. ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد، إذا البحر قد قذف إليهم ميتًا غريقا، فتسارعوا إليه، فأخرجوه، فوجدوه عيسى العوام، ووجدوا على وسطه الذهب [٩٣] والكتب المشمّعة، وكان الذهب نفقة المجاهدين، فما رُؤي مَن أَدّى الأمانة في حال حياته وقدر اللهُ له أداءها بعد وفاته إلا هذا الرجل، وكان ذلك في العشر الأخير من رجب من هذه السنة (٣).

[ذكر اشتداد الحصار على عكا]

وفي ثالث رمضان من هذه السنة، اشتد الحصار من الإفرنج للبلد حتى نزلوا إلى الخندق، فبرز إليهم أهل البلد، فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وتمكنوا من حريق الكبش الذي اتخذوه لحصار الأسوار، وسرى حريقه إلى السَفُّود (٤)، فارتفعت له لهبة عظيمة في عنان


(١) ورد هذا الخبر في النوادر السلطانية، ص ١٣٨ - ١٣٩ الفتح القسى، ص ٤١٩ - ٤٢٠، ص ٤٢٧ - ٤٢٨؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٣٨؛ مفرج الكروب، ج ٢، ص ٣٣٤.
(٢) سورة "الحشر" الآية ٢.
(٣) ورد هذا النص بتصرف في النوادر السلطانية، ص ١٣٥ - ص ١٣٦؛ الفتح القسى، ص ٤٢٣؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٦٢، نسخة وادي النيل ١٢٧٨ هـ.
(٤) السَفُّود: حديدة ذات شُعَب معقفة. انظر ابن منظور: لسان العرب، مادة "سفد".

<<  <  ج: ص:  >  >>