للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المرآة: ويقال: إنه فتح ستين حصناً وزاد على نور الدين مصر والحجاز والمغرب واليمن والقدس والساحل وبلاد الفرنج وديار بكر، ولو عاش لفتح الدنيا شرقا وغرباً وبعداً وقرباً، وإن كان مبدأ فتوحاته (١) بمصر بهمة نور الدين وأمواله وعساكره ورجاله وبينهما مقاربة في السيرة والعدل والأيام واجتناب الآثام، وكلاهما لم يبلغ ستين سنة والله أعلم (٢).

[الحادي عشر في مرضه]

استهلت هذه السنة وهو في غاية الصحة والسلامة، وخرج هو وأخوه الملك العادل أبو بكر إلى الصيد في شرقي دمشق، وقد اتفق الحال بينه وبين أخيه أنه بعد ما يفرغ من أمر الفرنج هذه المرة [١٦٩] يسير هو إلى بلاد الروم ويبعث أخاه العادل إلى خلاط، فإذا فرغا من شأنهما سارا جميعاً إلى بلاد أذربيجان وبلاد العجم، ولما قدم الحجيج من الحجاز الشريف يوم الاثنين حادي عشر صفر خرج لتلقيهم وقدم معهم ولد أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن، فأكرمه واحترمه وعاد إلى القلعة فدخلها من باب الجديد، فكان ذلك آخر ما ركب في هذه الدنيا، وذلك أنه اعتراه حمى صفراوية ليلة السبت السادس عشر من صفر، فلما أصبح دخل عليه القاضي الفاضل وابن شداد وابنه الأفضل فأخذ يشكو إليهم قلقه البارحة وأطال الحديث وطال مجلسهم عنده، ثم تزايد به المرض واستمر، وقصده الأطباء في اليوم الرابع، فاعتراه يبس وحصل له عرق شديد بحيث نفذ إلى الأرض، فقوى اليبس أيضًا، فأحضر الأمراء والأكابر والرؤساء فبويع لولده الأفضل نور الدين على نائباً على ملك دمشق، وكان الذين يدخلون عليه في هذه الحال القاضي الفاضل وابن شداد وقاضي البلد ابن الزكي، وتفاقم به الحال ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر، واستدعى الشيخ أبو جعفر إمام الكلاسه (٣) ليبيت عنده يقرأ القرآن ويلقنه الشهادة إذا جدَّ به الأمر، فذكر أنه كان يقرأ عنده وهو في الغمرات فقرأ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (٤) فقال: هو كذلك صحيح فلما أُذِن للصبح جاء


(١) "ميدانه" في الأصل والتصحيح من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٧٨.
(٢) انظر مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٧٨.
(٣) الكلاسيه: مدرسة بناها نور الدين محمود سنة ٥٠٥ هـ متصلة بالجامع الأموي من شماله وسميت كذلك لأنها كانت موضع عمل الكلس أيام بناء الجامع وقد أمر بتجديدها السلطان صلاح الدين الأيوبي. انظر: كرد على، خطط الشام، جـ ٦، ص ٨٩.
(٤) سورة الحشر، آية رقم ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>