للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربيع الأول من سنة ست وثمانين وخمسماية، وكانت العساكر قد تجهزت فسبقتُهم وعرفته بأجابتهم بالسمع والطاعة، وتأهبهم للمسير، فسُرّ بذلك وفرح فرحا شديدا (١). وانسلخت هذه السنة، والحال على ما هو عليه، ولا ملجأ من الله إلا إليه.

[ذكر بقية الحوادث]

منها أن في المحرّم أمر الخليفة أن يعهد إلى ولده أبي نصر محمد (٢)، وأن أمير المؤمنين أنعم النظر للمسلمين بتفويض عهده والإمامة من بعده إلى ولده عُدة الدنيا والدين أبي نصر محمد، لِما علم من عقله الراجح، وهديه الواضح، وبعث الخليفة ضياء الدين عبد الوهاب بن على الصوفى، ويعرف بابن سكينة، نسخًا إلى صلاح الدين في الخطبة، وبعث إلى جميع الآفاق، فالتقاه السلطان وخطب له على المنابر، وكان الخطيب بدمشق عبد الملك بن زيد [الدولعي] (٣)، وبعث السلطان جواب الرسالة مع ضياء الدين بن الشهروزي، وبعث معه بصليب كان على صخرة بيت المقدس، فجُعِلَ في باب النوبي تطأه الأقدام ويُهان وهو بحاله إلى هلم جرا.

وقال ابن كثير (٤): وفي صفر قدم من جهة الخليفة رسل يعلمون صلاح الدين بولاية العهد إلى عدّة الدين الملقب بالظاهر ابن الإمام الناصر لدين الله، فأمر السلطان لخطيب دمشق أن يخطب له بعد الخليفة، فخطب يوم الجمعة ثالث صفر، ونثر عليه الدنانير والدراهم، ثم جهز السلطان مع الرسل تحفا عظيمة وهدايا سنية، وأرسل بأساري من الفرنج على هيئتهم في حال حربهم، وأرسل بصليب الصلبوت فدفن تحت عتبة باب النوبي في دار الخلافة، فكان يُداس بعدما كان يقبل ويُباس، وصار يُبصق عليه بعدما كان يسجد عليه [٧٦]، وكان هذا الصليب من نحاس مطليًا بالذهب.

ومنها أن الخليفة بني داره التي استجدها إلى جانب التاج، وسماها الدار البيضاء.

ومنها أنه تسلم نواب الخليفة قلعة تكريت، وكان قد حصرها العسكر مدة، ومات صاحبها عيسى بن مودود وولي مكانه أخوه أرغش، فقتله إخوته.


(١) إلى هنا توقف العيني عن النقل من النوادر السلطانية ص ١١٥.
(٢) هو: الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله. ت سنة ٦٢٣ هـ. انظر ترجمته في السيوطي: تاريخ الخلفاء، ص ٤٥٨ - ٤٦٠.
(٣) "الدولي" في الأصل، والمثبت من وفيات الأعيان، ج ٧، ص ٢٠٣؛ البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٥٤.
(٤) ورد هذا النص بتصرف في البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٥٤؛ الكامل، ج ١٠، ص ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>