للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريبة حسنة وإن لم يكن بالعبارة المصطلح عليها (١). وقال العماد: ورأى يوماً دواتي محلاة بالفضة، فأنكر على وقال: هذا حرام. فقلتُ له على سبيل [١٦٤] المداعبة: وليس تحل حُلية السلاح واستصحابه في الكفاح، ودواتي هذه أشجع ومدادها أنقع ويراع براعتي القصير أطول، وسنان قناتي أحد وأقتل. فقال: ليس هذا دليل صالح. قلت: ما جمعت هذه العساكر الإسلامية إلا بقلمي، ولا تفرقت جموع الكفر إلا بكلامي. فقال: والله إن هذا ما يعجبني. فلم أعد أكتب بتلك الدواة بين يديه.

وكان طاهر المجلس لا يذكر أحدا في مجلسه إلا بالخير، وكان طاهر اللسان لا يذكر أحداً بسوء ولا يشتم أحداً قط، وكان مع هذه المملكة المتسعة والسلطنة العظيمة كثير التواضع واللطف، قريباً من الناس رحيم القلب كثير الاحتمال والمداراة، وكان يحب العلماء وأهل الخير ويقربهم ويحسن إليهم، وكانت مجالسه منزهة عن الهزء والهراء، ومحافله حافلة بأهل العلم والفضل، وما سمع منه كلمة فُحش قط، وكان يلين للمؤمنين ويغلظ على الكافرين، ومن جالسه لا يعلم أنه جالس سلطاناً بل يعتقد أنه أخ من الإخوان، وكان شديد الحياء خاشع الطرف، رقيق القلب سريع الدمعة شديد الرغبة في سماع الحديث، وإذا بلغه عن شيخ رواية عالية - وكان ممن يحضر عند الناس - استحضره وسمع عليه وأسمع أولاده ومماليكه، وأمرهم بالقعود عن سماع الحديث إجلالاً له، وإن لم يكن ممن يحضر عند الناس ولا يطرق أبواب الملوك سعى إليه وسمع منه وروي عنه وتردد إليه، ولم يكن في عمره كَتَبَ بيده ما فيه أذى مسلم، وما حضر بين يديه يتيم إلا وترحم على مخلفه وجبر قلبه وأعطاه ما يكفيه، فإن كان له كافل وإلا كفله، وإنه مات ولم تجب عليه زكاة (٢).

[الخامس في حسن عقيدته]

كان متوكلاً على الله في كل أمره، ولا يلتفت إلى قول منجم، وكان حسن العقيدة كثير الذكر لله تعالى، وكان قد قرأ عقيدة القطب النيسابوري وعلمها أولاده الصغار؛ لترسخ في أذهانهم من الصغر، وكان يأخذها عليهم.


(١) نقل العينى هذا النص من البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ٥، وإن كان قد ذكر أنه نقله من العماد الأصفهاني، الفتح القسي، ص ٦٥٦.
(٢) نقل العين هذا النص بتصرف من الفتح القسى، ص ١٥٦ - ص ٦٦١؛ النوادر السلطانية، ص ٩؛ الروضتين، جـ ٢، ص ٢١٩؛ مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>