للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمغنيات، وقد كان معه أكثر من مائة مغنية، ورد الأقفاص وآلات اللعب إلى حلب، وقال: قولوا له: هذه أحب إليك من الحرب. ووجِدَ عسكر المواصلة كالحانة من كثرة الخمور والبرابط والملاهي.

وفي المرآة (١): ولما انهزم غازي ومن معه ساق صلاح الدين وراءهم، وأسر أمراءهم، ونجا غازي بنفسه، وعاد صلاح الدين إلى خيامهم، فوجد سرادق سيف الدين غازي مفروشا بالرياحين. والمغاني جلوس في انتظاره، والخمور تروق، ومطابخه بقدورها، وفيه أقفاص الطيور فيها أنواع من القماري والبلابل والهزارات (٢)، ثم فرق صلاح الدين الخزائن والخيل والخيام على أصحابه، وأعطى عز الدين فرخشاه سرادق سيف الدين، وكان عز الدين قد أبلى في ذلك اليوم بلاءً حسنا.

[ذكر ما جرى لصلاح الدين بعد انتصاره]

قال النويري (٣): لما رجع الحلبيون إلى حلب وهم منهزمون ندموا على نقضهم الأيمان ومخالفتهم لطاعة الرحمن، وشقهم العصا على السلطان، وتحصنوا بالبلد خوفا من وثوب الأسد بن أخي الأسد، وأسرع صاحب الموصل فوصلها، وما صدق حتى دخلها.

وأما السلطان صلاح الدين فإنه لما فرغ من قسمة ما غنم، أسرع المسير إلى حلب، فوجدهم قد حصنوها، والقلعة قد أحكموها، فقال: من المصلحة أن نبادر إلى فتح الحصون التي حول البلد، ثم نعود إليهم، فلا يمتنع علينا أحد منهم. فشرع يفتح الحصون حصنا حصنا، ويهدم من أركان دولتهم ركنا ركنا، ففتح بزاعة (٤) ومنبج، ثم سار إلى أعزاز (٥)، فأرسل (٦) الحلبيون إلى سنان مقدم الفداوية، فأرسل جماعة من أصحابه ليقتلوا صلاح الدين، فدخل طائفة منهم في زي الجند، فقاتلوا أشد القتال، حتي اختلطوا بهم، ثم وجدوا فرصة ذات يوم والسلطان ظاهر للناس، فحمل عليه واحد منهم


(١) انظر هذه الأحداث في المرآة، ج ٨، ص ٢١١ - ٢١٢ حيث ينقل العيني عنه بتصرف.
(٢) الهزارات جمع الهزار: طائر حسن الصوت، فارسي معرب. المعجم الوسيط، مادة هزر.
(٣) يبدو أن النص المذكور هنا لابن كثير من البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣١٢ - ٣١٣، حيث أنه بنفس ترتيب الأحداث. بينما وردت بعض هذه الأحداث في النويري: نهاية الأرب، ج ٢٨، ص ٣٧٨ - ٣٨٠.
(٤) بزاعة: بلدة من أعمال حلب واقعة بينها وبين منبج. معجم البلدان، ج ١ ص ٦٠٣.
(٥) أعزاز - ذكرها ياقوت في معجمه ج ٢، ص ٦٦٧، عَزَاز وهي بليدة فيها قلعة ولها رستاق شمالي حلب بينهما مسيرة يوم.
(٦) "فأرسلت" في نسخة ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>